والأغذية علل ظاهرة لمصالح عاجلة، والأدوية علل باطنة لمصالح في العاقبة.
وكذلك علل الشرع بعضها أظهر من بعض حتى سمى علماؤنا الظاهر منها؛ قياسًا، والباطن استحسانًا، ثم أخذوا بالقياس مرة وبالاستحسان أخرى ليعلم أن الرجحان بقدر قوة المعنى.
وكذلك الدليل قد تكون دلالته ظاهرة كالدخان على النار، وقد تكون دلالته باطنة كالنجم على الطريق، فإنه لا يهتدى به إلا بضرب تأمل فصار حد الآية ما يفيد العلم يقينًا إذا أبصرها القلب على اضطرار كما إذا رأى شخصًا بالعين بلا ستار، والآية آية سواء نظر العبد فيها فأبصر، أو لم ينظر وقصر. وصار حد الحجة ما يغلب الهوى، فإن للقلب نظرًا بموجب الهوى ونظرًا بموجب العقل فإذا قامت الحجة عليه غلبت جهة العقل جهة الهوى، وسواء في ذلك اضطر القلب إلى العلم بارتفاع الشبهة أو لم يضطر، ووقعت الغلبة بالنظر أو تكاسل فلم يبصر.
وصار حد الدليل ما أتى منه فعل الدلالة بحيث لو تأمله ذو البصيرة لاستدلال به واهتدى، وسواء فيه تأمل أو لا، فأوجب العلم قطعًا أو كان دونه حدًا، وصار حد العلة ما تعلق به الإحداث والإيجاد بلا اختيار بقدر الحلول بمحل الحكم ولكن في علل الشرع يراد بها ما تعلق بحلولها وجوب الأحكام في حقنا لا حدوثها في أنفسها بذوات تلك العلل.
فالعلل الشرعية صارت عللًا بجعل الشرع إياها عللًا لا بذواتها، فصارت بذواتها أعلامًا لما لم تكن موجبة.
غير أنا سمينا هذه المعاني المستنبطة من النصوص عللًا مجازًا لتعلق وجوب الأحكام بها في حقنا شرعًا لا في حق الله، وهي حالة بمحل الأحكام لا وجوب في حقنا قبل الشرع، ولا وجود بعد الشرع قبلها فكانت هذه العلل بمنزلة شرط الطلاق في اليمين بالطلاق في حق المرأة.
فالشرط علم على الطلاق في حق الزوج وفي حق الطلاق، فإنه وجب معه بتطليق الزوج، ولكنه علة في حق الوجوب للمرأة حتى إن الطلاق لا يعمل فيها إلا إذا كانت بمحل الإيقاع ابتداءً حال وجود الشرط، ويعمل وإن لم يكن الرجل من أهله حين الشرط.
لأن العلة في حق الطلاق نفسه لفظ الزوج فيعتبر شرط صحته حال تلفظه.