للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الصلاة فلا نص فيها فقلنا تقضى بما يقضى به الصوم لأنها بالصوم أشبه لأنها عبادة بدنية محضة لا تعلق لوجوبها ولا لأدائها بالمال، بخلاف الحج لأنه لا يجب إلا بعد ملك الاستطاعة ولا يتأدى بدون المال للنفقة والراحلة.

فإن قيل: أليس قضاء الصوم بالمال ليس بقياس فكيف قستم عليه الصلاة؟

قلنا: إن الندم على ما فات والتوبة مما يمحو الذنب بينه وبين ربه تعالى إذا لم يقدر على زيادة أمر سوى التوبة إلا أنهم أوجبوا فدية الصوم احتياطاً لقدرته عليها حتى إذا كانت كالصوم عند الله تعالى لم يبق تحت عهدة المال.

وعلى هذا المثال وجب الخروج عن حقوق العباد فإن الغاصب يلزمه الخروج عن ضمانه برد العين، فإن عجز عنه بفواته رد مثله صورة ومعنى، فإن عجز عنه بتفاوت جنس ذلك العين رد قيمته التي هي معنى ذلك العين وبه صار مضموناً بالغصب.

فإن لم يكن أصل الحق مالاً نحو المنكوحة أمة كانت أو حرة أو رجلاً عليه قصاص عبداً كان أو حراً لم يضمن بالغصب لصاحب ملك القصاص، وملك النكاح إلا في حق تسليم العين فإذا هلك العين فلا يضمن شيئاً في الدنيا.

وكذلك إذا شهد شاهدان على ولي القصاص أنه عفا عن القصاص وقضى القاضي به ثم رجعا لم يضمنا شيئاً للولي.

وكذلك إذا شهدا على رجل أنه طلق امرأته ثلاثاً وقضى القاضي به ثم رجعا وكان دخل بها لم يضمنا شيئاً، وإن أتلفا الملك بالشهادة لأن المتلف لم يكن مالاً فلا يكون المال مثلاً له لا صورة ولا معنى فمعنى النكاح إقامة النسل والسكن، ومعنى المال مصالح البدن. لذلك قال علماؤنا رحمهم الله: إن المنافع لا تضمن بالإتلاف بعد قولهم أنها أموال حتى كان عقد الإجارة وارداً عليها، وعقد الإجارة من التجارة والتجارة لا تكون إلا بعقد المال بالمال.

وكذلك قالوا: لا يثبت الحيوان ديناً في الذمة بدلاً عن المنفعة وثبت ديناً بدلاً عما ليس بمال من العتاق وملك النكاح وملك القصاص لأن ضمان الإتلاف مقيد بشرط المماثلة، وما للمنافع مثل إما من جنسها فلا إشكال، وفيه إجماع لأنها تحدث ساعة فساعة من أعيان متفاوتة فكذلك هي تتفاوت بحسب تفاوت الأعيان.

وأما من الدراهم والدنانير فلأنها في الجملة خير من المنافع ذاتاً لأنها من جملة الجواهر، والمنافع أعراض، والجوهر خير من العرض ذاتاً في الجملة لأن الأعراض قيامها بغيرها والجواهر تقوم بنفسها فكانت الأعراض منها كالتبع من المتبوع.

ثم هذا التفاوت وإن كان عفواً في التجارات في حق المالية حتى كانت المنافع في الأسواق في حكم الأعيان في حق المالية يبادل أحدهما بالآخر بلا حرج.

<<  <   >  >>