والبائن: يشترك فيه البينونة والبين والبيان، يقال: بان عني فلان أي هجرني، وبان العضو عن الجسم إذا انفصل عنه، وبان الشيء إذا ظهر، وهذه أسماء مختلفة بخلاف قولنا الشيء، فإنه يشتمل على الموجودات بمعنى واحد وهو صفة الوجود، وفيما ذكرنا من المشترك إنما يدخل كل واحد من الجملة تحته باسم على حدة، أو بمعنى على حدة، وإذا كان كذلك لم يكن للمشترك عموم ولا ظهور مراد لأنا سميناه:"مشتركاً" لاشتراك الأسامي أو المعاني في الدخول تحته والاشتراك يوجب الاستواء وإذا دخلت متساوية ولم يمكن الجمع بينهما ولم يصر بعضها بأولى من بعض صار المراد منه مجهولاً فيصير بمنزلة المجمل.
وأما اختلاف المعاني فإنما يتحقق في المستعار من الكلام وهو المجاز لأن اللفظ إنما يستعار لغير ما وضع له للاتصال بينهما معنى، فيصير المجاز: عبارة عن المعنوي من الكلام.
والحقيقة: ما عبر به عن الشيء باسم علمه عقل معناه أو لم يعقل، فإذا اختلف المعنى الذي يجوز الاستعارة لأجله كان ذلك المجاز مشتركاً.
وقد أجمعت الأمة أن لا عموم لقوله تعالى:{ثلاثة قروء} بل المراد بها إما الحيض وإما الأطهار، وقد قال علماؤنا رحمهم الله– فيمن أوصى لمواليه وله موال أعتقوه وموال أعتقهم-: أن الوصية باطلة لأن معنى الولائين مختلف في حق الوصية فيراد بالوصية للمولى الأعلى الجزاء وللمولى الأسفل زيادة إنعام ترحماً، ولم يدخل النوعان تحت الاسم على العموم فبقي المراد أحدهما فبطلت الوصية للجهالة.
وإذا قال لامرأة: إن نكحتك فأنت طالق، لم ينصرف إلى الوطء والعقد جميعاً، لأنهما مختلفان معنى بل انصرف إلى أحدهما على ما دل عليه الحال.
وأما المؤول: فما يتبين من المشترك أحد وجوهه المحتملة بغالب الرأي والاجتهاد لا بسماع من يجب تصديقه فإنه متى تبين بالسماع كان مفسراً بالتحاق هذا البيان، وهو نص مثل الأول، وإذا كان بالرأي لم يكن تفسيراً لأنه عبارة عن الكشف على ما يأتيك بيانه. والانكشاف على الحقيقة لا يثبت بالرأي ولكن بالرجحان يزول مشاركة سائر الوجوه إياه على السواء فيؤول إليه مراد الكلام من غير انكشاف على الحقيقة فكان تأويلاً.
وكذلك المراد من الكلام متى خفي لدقته فأوضح بالرأي كان مؤولاً فكان المؤول خلاف المشترك والخفي جميعاً.
فالعام في قدر تناوله المسميات أكثر من الخاص.
والخاص في قدر تناوله المسمى أثبت من المؤول أو المشترك، فلا ثبوت للمراد به إلا على سبيل الاحتمال فهذا بيان تفاوتها في قدر التناول في الجملة.