حالة روسيا التي مثلت حالة من التاريخ ينظر إليها في مجملها بعيدة عن نتائج الحرب.
إن نتائج كهذه أفقدت الحضارة الحديثة سائر مرتكزاتها المادية والروحية، ولم تعد سوى حلقة في سلسلة البربرية التي تميزت بها الحرب، كما أشرنا، وخلفت نتائج معنوية وأحزان وآلالم حياة؛ فقر وقلة، وقد أدى هذا إلى اهتزاز المعتقدات الدينية في العديد من الضمائر، بما فيها المسيحية في مجملها، التي وجدت نفسها شريكة في صورة تبدو نهائية. وزاد الطين بلة شعور تجلت فيه أوروبا شيئا فشيئا وقد بدت الكنيسة مسؤولة في قسط وافر من هذه الفوضى الاجتماعية والأخلاقية السائدة. من جهة أخرى فإن رأس المال الذي ينظم كل الحركة الأوروبية قد
أفرغته الحرب، والباقي ابتلعه التسلح المتصاعد الذي هو سمة المرحلة التي نعيشها، والتي أضحت الحرب الباردة طابع حركتها. وهكذا وجدت أوروبا حاضرا جفت فيه شجرة عطائها.
وأخيرا فأوروبا هذه التي حققت رفاهية مختلف حاجاتها بقوة الإمبراطورية الاستعمارية؛ قد بدأ أمامها العديد من الحاجات والمطالب التي تقلقها، لأن واسع مستعمراتها تحديدا، قد بدأ يفر من سلطانها تحت شعار الاستقلال، كما هي الهند وبورما وأندونيسيا وطرابلس.
فالحضارة الحديثة في النتيجة وصلت إلى جوهرها الحقيقي، لا مسيحية رأسمالية، ولا استعمارية. وليس هناك في التاريخ حضارة تستطيع العيش فقط برصيدها الأخير، فهذه استحالة منطقية واجتماعية.
أخيرا؛ نحن نقيس ونحاكم عالما في نهايته. فالعالم الحديث بدأ يميل نحو الغروب لكنه غروب يبطئ هزيمه شيئا فشيئا وبهدوء كما هو الليل الذي لف شيئا فشيئا المجتمع الإسلامي عقب سقوط الموحدين.