إسلامي، فيما تلميذه سبينوزا أراد أن يؤمن مسيحيا بإرشاد يهودي، لكن أمرا غريبا في هذا المسيحي الذي خرج من اليهودية إلى المسيحية؛ فهو لم يتعرض لليهودية التي أنكرها، بل تعرض للهجوم على الإسلام. فمن ذا الذي
يقول يوما إن الأخلاق (Ethique) لدى سبينوزا هي التي سوف يبتنى عليها من الوجهة النفسية؛ ضمير عصر استعماري آذنت به نذره. ولنتابع إذن خطوة
خطوة مسار اليهودي وشرطه الأولي في الولوج في عمق أوروبا وصولا إلى
سدة قيادته الحالية وعلينا أن نمسك بالمراحل الخاصة التي سوف تقوده يوما إلى حظيرة أسلافه؛ إلى فلسطين وهو اليوم الذي عرفه جيلنا.
[رابعا: اليهودي التائه في نفسية الأوروبي]
إذا اعتبرنا الأوروبي رجلا يتميز بالبساطة وديناميكية الحركة، فذلك لأنه عاطفي وله حساسية نحو الجمال لدرجة العشق والانفعال بالأشياء التي تجسده أكثر من معناها الأخلاقي. هذه العواطف بالغة الحيوية في نفس الأوروبي، لها في القلب خفقات تضفي على الأشياء معنى الخير والشر دون الوقوف على الأسباب والمعاني.
الكنيسة الرومانية عرفت كيف تبني آليتها اللوترجية على وقع هذه النفسية البسيطة؛ فاعتمدت الغناء في صلواتها والموسيقا.
هذا العالم الذي وصل إليه اليهود، كان اليهودي أمام الضمير المسيحي يتقدمه شيئان متعارضان: فهو أولا القاتل الأبدي للمسيح ابن الله، وهو ثانيا الحامل لوعد الله إلى إبراهيم وذريته، فقد صرح كل من المسيح و (jerem) بانتظار وعد الاختيار الإلهي (Election divine)، وقد امتد إلى القديس بولس من نقطة أخذت مدى واسعا في تداعياتها كما جاء في رسائله (Epîtres) إلى الرومان على الخصوص وذلك عبر السؤال الذي وجهه إليه المسيح في رؤياه (لماذا؟) (pourquoi) الذي اعتمده الفكر البولياني في النهاية: