الهولندي قد أدهش المؤرخين، فذلك لأنهم لا يعرفون حقيقة تاريخ العالم إلا من خلال ما تدلي به وثائق مصنفة في المكتبات العامة.
لكن هذا الإعلان هو إمارة العصر.
٦ - اليهودي الذي رمى القناع
يهودي الشتات عرف الفخر والاعتزاز والحلم في عنصره فترة الشتات، فهو لم يخنه، لذا بقي وسط الجموع وبينهم دون أن يفصح عن ذاته (anonyme) ؛ حماية له ولنشاطه في خصوصية عنصره الذي يعمل في الخفاء.
والواقع أن أحدا لم يستطع أن يخرق غموض وسر شخصية اليهودي التي تجسد فيها الإذلال الذي به انتزع من أوروبا كلمتي الشفقة والرحمة، لكن الإنجيل - الوثيقة الأدنى ريبة في أفكاره المسبقة - عقد مقارنة أعطانا عبرها في نفسية الشعب اليهودي سمة أساسية؛ حين أطلق عليه اسم هذا الشعب ذو الرقبة القاسية.
فحياة اليهودي في الجيتو ألزمته أن يعود إليه وبين كتفيه رقبة صلبة وبها
يحقق أهدافه، وإذ هو يدرك بدقته البرجوازية الأوروبية في تفاعل إحساسها بالشفقة والرحمة، فقد استطاع أن يعطي الانطباع الأقصى من الخضوع في قسمات وجهه، وهو يحمل في داخله الكبرياء.
بيار أرميت مثل أمام بطريرك القدس الذي سأله عن اسمه فأجابه بكل بساطة:
(اسمي بيار وأصدقائي ينادونني أرميت). ثم سأل البطريرك ليعطيه شهادة عن كل المصاعب التي يلاقيها الحجاج المسيحيون من غير المؤمنين (أي المسلمين).
لقد عبر عن مجرد اسم وكنية وشهادة، لكنه أصبح العنوان البارز