لذا علينا أن ندرس بعمق العلاقة الضيقة بين الحضارة المسيحية والعبقرية اليهودية، وما ندرسه من الآن فصاعدا ليس سوى النتيجة التاريخية البعيدة للفترة التي فيها اتجه المسار اليهودي نحو أوروبا.
وحينما نعود إلى زمن بعيد نستطيع الوقوف على الأسباب الأكيدة التي بها تركزت خصائص الحالة التي تميزت بطابعها المادي كما في طابعها النفسي ووجهت خطا إسرائيل نحو أوروبا دون الاتجاه نحو آسيا. وهذا التأكيد يبدو لنا أكثر منهجية، فقد أضحت هذه الخصائص مترابطة جيلا بعد جيل نتيجة لمنطق ثابت، ويبقى علينا تقييم آليته الخاصة عبر اليهود في
مدى ألفي عام من حياة أوروبا التي تبدو نتائجها في كل ما يجري اليوم من رد فعل في الشرق وفي فلسطين.
في الصفحات التالية سوف نكشف بصورة أعمق الأسباب التي اجترحت المأساة الفلسطينية والتي بها يعيد الفلسطينيون ممارسة دور فلسطين القديم.
كيفما كان الأمر علينا في البداية أن نشير، إلى أن الشعب اليهودي لم يكن مخدوعا، حينما أدار ظهره لعقدة الطرق الآسيوية المزدهرة في العالم القديم، واتجه نحو فقر أوروبا، وكان ذلك كله هو المصير النهائي للشتات. لذا، ومن أجل المعنى التاريخي للمرحلة اليهودية في أوروبا، علينا أن نعود إلى ذلك المسار جنبا إلى جنب أي إلى ألفي عام من التاريخ لتكتشف في داخلها سبب هذه المرحلة.
[ثانيا: معنى ومفهوم اتجاه الشتات اليهودي نحو أوروبا]
إن مرحلة استقرار الشعب اليهودي في أوروبا مع بداية العصر المسيحي
هي في الواقع خيار بين الرجل الأوروبي والرجل الشرقي.
وإذا نحن قومنا النجاح الاستثنائي لليهود في إقامتهم الجديدة - كما أشرنا - فهم لم يكونوا مغررا بهم أو مخدوعين في هذا الخيار؛ وذلك