لفهم نفسية يهودي في الشتات؛ هناك شيء أساسي هو أن اليهودي لا يترك وطنه نهائيا دون أمل في العودة إليه. فالوطن هو الأرض الموعودة لأجداده وأحفادهم، وهو يتمثله عودة نهائية إليه في فكره وأحلامه لأنه القطب الذي يشده إلى قدره.
فإرادة العودة التي لم تفتر؛ ربطته بذلك النسيج الذي يميز الشعب اليهودي بشعور استثنائي نحو وحدته؛ يتفاعل عبر الأجيال والبلاد.
هذا الحنين الذي سيكون نوعا ما العامل الأساس لوحدته الأخلاقية والسياسية عبر سائر قبائله. وجيلنا بنظرة تقوم ما يستطيع اليوم أن يرى
كيف أن اليهودي الأمريكي والإنجليزي والألماني يلتقي في فلسطين مع يهوديي شمالي إفريقية، وهم يتفاعلون جميعا في الفكرة نفسها، لكن استمرار هذه الإرادة في سائر مضمونها - كما سبق أن أشرنا في الفصل الأول - لا يفسر في تحليلنا أسباب هزيمة العرب أمام جيش بن غوريون، وسوف نعود إلى هذه الأسباب لاحقا.
بكل حال لم يعد المجال ممكنا للنظر إلى الحقبة اليهودية كمن يفتتح تاريخ إسرائيل مجددا بقيادة موسى. لكن مسار التاريخ اليهودي بكل حال اتبع طريقين في ظل العصر المسيحي؛ طريق الشاطئ الشمالي للمتوسط وطريق الشاطئ الجنوبي، والاتجاهان اتجها نحو أوروبا، لكن كلا منهما سار في طريق مختلف ظاهرا. فالعنصر الذي تابع الطريق الأول مرورا ببيزنطية حتى البلقان وروسيا؛ أضحى لدى المؤرخين يسمى عنصر (Hasidim)، أما العنصر الذي تابع طريق شمالي إفريقية واستقر في