هذا المجتمع الأوروبي حيث المال والشفقة والتفكر قد أخذ دوره عمليا؛ لكن اليهودي ما يزال قابعا في الجيتو، يقبل الدخول في المجتمع لكنه لا يقبل المسامحة. وإذا ما أتيح له أن يترك لنفسه حبل الاندماج أو العيش ببساطة في غمار الجمهور فإنه يضيع فيه؛ ويفقد امتياز خصوصيته، لكنه لا يقبل أن يصل إلى درجة البرجوازي الغوييم (Goyim) الذي يقدم يد ابنته ليهودي بالغ الثراء، كما لا يقبل بالمقابل أن يقدم يد ابنته إلى
ذلك الثري؛ لأن بعض اليهود يحرصون على التكافؤ في الزواج بينهم، وهنا لا يرغب اليهودي في تزويج من هو أقل شأنا ومركزا منه ولا يتلاءم
مع خصوصياته وأفكاره وعاداته. ومن أجل ألا يبدو هذا التكافؤ أمام الضمير المسيحي طبقة أعلى حسبا ومقاما في الخصوصيات بين اليهود؛ كان يرى الحل في دفع أوروبا نحو هدم حواجز التقاليد فيها كما رأينا بثورتين: إحداهما ضد التقاليد، والأخرى ثورة في الحياة الفكرية والثقافية. وذلك ما دفع أوروبا لثورة سياسية قلبت معايير التراتبية الأوروبية وكان ذلك لمصلحة اليهود.
وإذ كان الشعب في أوروبا مزاجيا مستسلما لقوى غيبية من التشاؤم والتطير أو التفاؤل، أميا عفويا في عمق تكوينه التراتبي، فإنه بكل حال أوروبي نشيط وشريف، وللأمير مقامه كفارس فخور بعنصره معتد بدمه لدرجة لا تقوى عليه الدسائس، لكن ثغرة في حصانته هذه يمكن عبرها
أن يؤتى من خلفه.
هاتان اللوحتان ذواتا دلالة تتيح لليهودي بلوغ ما يجول في خاطره من فكرة أساسية هي رفع مستواه بأن تسوى هذه التراتبية أرضا ليتاح له بلوغ القمة في المجتمع الغربي، إذ رغم حاجز الأمير ومقامه السامي الذي لا يغريه المال يمكن من ثغرة في هذه الحصانة أن تجوس الجذور.