اليهود في عملية إبادة عامة ليست شيئا هاما إذا ما نظرنا للأمور بنتائجها البعيدة، فهذه الوسيلة حالت دون مشكلة خطيرة في تلك المرحلة من شأنها هز الضمير المسيحي. وسؤالنا يبدو هنا: لماذا ذبح المسيحيون المسلمين الذين يعظمون السيد المسيح ويجلون السيدة مريم، في حين أن اليهود يكرهون في تعاليمهم جميع القديسين المسيحيين ومع ذلك فقد جرى الاحتفاظ بهم؟.
والجواب الذي ينير الحقيقة بصورة أوضح، والتي يجهلها التاريخ
الرسمي، هو أن المجتمع اليهودي تم الاحتفاظ به لبناء أفضل العلاقات المستقبلية، وفيليب الثاني ملك إسبانيا استخدم أفضل رجاله من اليهود حينما وجد مجالا لينقل عبرهم أمواله من مدريد إلى لندن أو هولندا، ومن هنا بدأ المال اليهودي يؤدي دورا عالميا. ثم إن اليهود من دون ذلك كله لا يريدون الإسلام ولا المسلمين في هذه الأرض (أوروبا)، التي رتب فيها
كل اهتمام ليكون وسيلة سياسية عالمية؛ عرف عصرنا بدون شك سائر قواعده وأشكاله التي تتجلى في الرأسمالية - الاستعمار- العنصرية.
وفي النتيجة، إذا كان اليهودي قد انخرط في الحياة الثقافية التي ازدهرت مع عصر النهضة (La Renaissance) الأوروبية فذلك ليس سوى نزعه هواية للجمال؛ إذ اليهود عرفوا دائما الجمع بين المفيد لهم
والجميل.
فالمفيد هو من أجل خروج اليهود فورا من عزلتهم المعنوية داخل
أسوار الجيتو، أما المدى البعيد فهو إدارة هذه الحياة الفكرية الوليدة بكاملها والتي نبدت من جماع نسغ قوة الحضارة الحديثة وهي تطرح إنتاجها للذين يهزون نخلتها.
والمجتمع الأوروبي الذي فتح أبوابه لأولئك اليهود البؤساء والمساكين مع ازدياد عددهم، عليهم أن يحتلوا الآن المكان الأهم في الحياة الثقافية والفكرية.