لقد كان اليهودي شاهدا لظهور هذا الدين، وقد احتك بالعالم كما ذكرنا، وكذلك بالحضارة الإسلامية، لكنها بالنسبة إليه لم تكن تجربة خاسرة؛ فقد استخلص من خلالها على الخصوص نتيجة عرف منها أنه في أوروبا، ومن خلال الوسائل التي يملكها استطاع أن يحقق فاعلية نفوذ (١) لا يستطيع مثله في العالم الإسلامي على العموم إلا إذا اتخذ الدس الخفي وسيلة.
ويبدو ذلك بينا حينما وصل الإسلام إلى أوروبا وأصبح فيه معنيا بالوعظ والإرشاد في قومه، إذ بدت له منذ ذلك الزمن مصاعب كالتي كان يلاقيها اليهودي من قبل في آسيا الإسلامية ولا يستطيع تخطيها.
هذه النقطة أضاءت له أكثر من درس في التاريخ الرسمي لليهود، وهكذا برز الرد فجأة من جوف الظلام، على ما هو كفاء هذه المصاعب التي برزت أمامه في ظل العصر الإسلامي في الأندلس التي أشرنا إليها، وهما إينياس دي لوايولا وبيار وير؛ وهما شخصيتان مؤهلتان تماما، وكانت الشخصية الأخيرة إينياس قد تولت بالإضافة إلى إبادة المسلمين إبادة اليهود أيضا.
هاتان الشخصيتان وهما تقومان بإبادة المسلمين عبر محاكم التفتيش كانتا على غير علم بما بات نقطة رئيسية في النفسية اليهودية؛ أي العمل الذي أصبح متداولا باستخفاف في عصرنا حين قامت أمة متحضرة يذبح بعضها بعضا وبدم بارد رغم وحدة الانتماء للدين من أجل تحقيق نصر ملائم في لعبة الحرب والسياسة.
هؤلاء هم اليهود الذين علموا العالم المتحضر نزعة المولوشيزم " Molochisme" ، حتى غدت مذبحة محاكم التفتيش التي تناولت بعض
(١) ففي أوروبا سلك نفوذه مسالك وصلت إلى التدخل في اختيار البابا، أو تبين له أن لديه حيوية استثنائية قد تجد فاعلية نفوذ فرضها في العالم الإسلامي.