في أوروبا، يكفي أن نشير إلى الفوائد التي جنتها الطائفة اليهودية من هذا الإسهام، فالشعب اليهودي هو الوحيد الذي عرف كيف يجمع نشاطاته في هدف واحد هو تنظيمها الداخلي، بمعنى أن يوظف مختلف الإنجاز في خدمة الهدف النهائي الذي يسعى إليه مجتمع جيد التنظيم. وهنا ليس بالضرورة أن يوجه كل فرد يهودي نشاطه نحو هذا الهدف بالذات، بل المجتمع اليهودي من خلال تنظيم داخلي يدفع بنشاطه نحو هذا الهدف.
ففي جماعة تتأهب لولوج عالم جديد يصبح الضمير في البداية حسا مشتركا، يقود اليهودي لبلوغ القمة. وفي هذه المرحلة يتوزع الحس الفردي لدى اليهود ليأخذ من عمله مواقعه، وتبقى الجماعة ردء نشاطه في بلوغ موقعه المتقدم في ريادة أهله وجماعته في النهاية.
فالهدف هو تجميع الطاقات المختلفة، وفي مسار تجمعه غاية واحدة؛ حتى حين يكون عمل اليهودي فرديا، فإنه يصب بطبيعته في صالح المجموعة (كصائغ) أمستردام مثلا، إذا ما قدم جوهرة فنية إلى نبيل مسيحي برجوازي، فهذه مبادرة تحسب نتائجها في مصلحة الطائفة بأجمعها.
فاليهودي في هذه المجموعة كمجتمع سواء، تتساوى فيه خواطره أو مبادراته مع مصلحة الطائفة بأجمعها، فهو يرى نفسه في مجتمع كشركة سرية لها مكانتها في نشاطه، وتضطره أن يفكر ويتنبأ مسارها المستقبلي. كحالة سبينوزا مثلا الذي كان عليه فعلا أن ينظر بما هو أبعد من عصره، في كل ما يقتضيه ذلك من مواجهة الإسلام، وهذه الفرضية تثبت وتؤكد ما سيكون فيما بعد من تحديد مركز اليهود المتضامن طيلة عصر الاستعمار الذي كان قد بدأ.
وإذا ما حللنا هذه النقطة لزمن سابق عليها فإننا نراها تتعلق بمساهمة اليهود في تكوين الأفكار في أوروبا، وعلى الخصوص فكرة الاستعمار، إذ نجدها ردة فعل خاصة في العقلية اليهودية أشرنا إليها قبل، وهي ترتكز على الكراهية لكل ما هو آسيوي، وهي ردة فعل مزدوجة: الكراهية لآسيا وللإسلام معا.