لا أريد هنا أن أشير إلى الفوضى التي عمت الجبهة الداخلية للعالم العربي والتي تحدثت عنها في الجزء الأول من هذا الكتاب، ولكني هنا أتحدث عن السياسة في مستوى الحدث. فمنذ أعلن بن غوريون الدولة الصهيونية؛ أعلنت أمريكا الاعتراف بها في منتصف ليل اليوم نفسه، والباقي كله سار في طريقه عبر الأمم المتحدة التي غدت ضد مصالح وحقوق وآمال العالم العربي، وذلك الذي تجلى في قرار الهدنة التعسفي حين أصبحت الجيوش العربية على بضع خمسة كيلومترات من تل أبيب. وهكذا ما إن أعلنت دولة إسرائيل حتى كان التسلح يأتيها من سائر
المرافئ الأوروبية.
ثم إن إسرائيل المسلحة هي التي حاصرت الفيالق المصرية، حتى انتهت الأمور إلى هدنة كاملة، وذلك ما مكن الدولة العبرية من طرد مئة ألف من عرب فلسطين من منازلهم وبيوتهم التي يعيشون فيها، إلى المخيمات التي ازدحمت بهم، واستسلموا لأمل العودة الذي لا يأتي حتى يومنا. (إن) مسار الأحداث التعيسة هذه، قد أزاغ أنظار هذا العالم الإسلامي في تقدير القيمة الجوهرية لإيديولوجية الثقة بالأمم، في الوقت نفسه الذي حلمت فيه رومانسية السياسة العربية بالأمم المتحدة، دون القيام بأيما
جهد في أروقتها تحتل به مركزا في الإطار الدولي كشريك، أو تحقق عبره هدفا محددا. وهكذا فقد الإيمان وبكل بساطة فجأة كما جاء فجأة، ودون دراسة ترمم تصدع الثقة بجدوى الأمم المتحدة، لأن السياسة العربية منذ البداية اعتمدت على الرياح الملائمة التي تسوق المواقف (opportunism)، لأن جذورها في الأساس بنيت على الخوف والاحترام معا للقوة الأمريكية.
فالخوف من أمريكا كان سيد الموقف العربي، وقد غلف برومانسية الثقة بالأمم المتحدة كريشة في مهب رياح السياسة الدولية. لقد انتهت الحرب