وما دام أنه ممكن، فلنترك هنا جانب روح التبصير واستقراء النجوم لقدر مقدر لما سوف تنتهي إليه الحرب القادمة.
ما يهمنا هو نتائجها الإنسانية ذات المسحة العقلانية؛ استنادا إلى طبيعة الأشياء التي نراها والتي نعرفها بكامل تفاصيلها، ونحن في زمن على مقربة من حرب تسمى اليوم عبر الصحافة: الحرب الباردة.
هذه المرحلة الغريبة من الحرب؛ هي واحدة من مجمل المظاهر التي نقدرها عاليا، والتي ارتسمت خصائصها في الغرب، ودل عليها ما جرى في الشرق الأقصى من أزمة أخلاقية لا سابق لها.
ففي الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ - ١٩١٨ اهتزت المرتكزات الأخلاقية للحضارة الحديثة، فكان في كل بلد متحضر موقفان فحسب لهما الحد الأقصى: أقصى البؤس وأقصى السيطرة، والأزمة الاجتماعية تولد بين هذين الموقفين المتعارضين، ومن تعارضهما ينشأ الانقسام الداخلي الذي نرى فيه اليوم السمة النهائية المهتمة به سياسة كل بلد
متحضر؛ حين ينقسم المجتمع فيه إلى رجعيين وتقدميين، وقوميين
وشيوعيين، ولكن في الوقت نفسه كما هو في أمريكا وفي البلاد الغربية كألمانيا وإيطاليا، فأطروحة المدى الحيوي تولد من هذا التعارض، إذ لا بد في أي حرب عالمية أن تصبح نهايتها الأخلاقية أكثر تصدعا كما هو شأن الحرب الأولى في حياة الشعوب، فهناك حتى اليوم الكل يتحدث عن النظام الأخلاقي القادم.
فألمانيا التي عرفت أكبر الكوارث في تاريخها وفقدت كل آمالها في هتلر، لا تؤمن بشيء وبالخصوص لا تؤمن بالقيمة الروحية للمسيحية، أما في الطرف الآخر من العالم فاليابان التي أوشكت على خسارة إمبراطوريتها قد أضاعته في الوقت نفسه الميكادو.