هذه المركزية العليا هي بذاتها العنصر الأول للاستراتيجية، وذلك من خلال وجهين:
الوجه الأول يتعلق بالخطة في جانبها الداخلي لتقوم بدراسة واقع البلاد الإسلامية نفسها وتزود الاستراتيجية بالوسائل، والوجه الثاني يتعلق بجانبها الخارجي الذي هو البلاد غير الإسلامية التي تشكل مساحة هذه الاستراتيجية.
فالخطة في جانبها الداخلي هي عملية تحليلية أشرنا إليها في القسم الأول من الدراسة، وألقينا الضوء على العوامل المرتبطة بالقابلية للاستعمار في العالم الإسلامي، ثم هي عملية تركيبية أشرنا إليها في كتابنا شروط النهضة حين حددنا الوسائل ليكون في مجموعها الخلاص النهائي من القابلية للاستعمار. ففي مرحلة الدعوة مع العالم الجديد؛ لا نستطيع
رؤية المستقبل الروحي للعالم الإسلامي كما هو اليوم بين يدي البرجوازيين ولا الأميين، ولا كذلك العلماء في واقعهم الحاضر. فوجهة العالم الإسلامي تتطلب بصفة عامة نخبة مختارة، ثم الدعوة إلى الإسلام تتطلب سبلا متنوعة أكثر تحديدا، تنطلق من مركزية قيادة الاستراتيجية العليا.
هنا ليس في رغبتنا أن نردد ما سبق أن قلناه في التعريفة عموما بالثقافة، لكن في هذا الإطار العام؛ هناك مكان لأن نأخذ بالحسبان ما يقتضيه العمل من اختصاص يرفد القيادة العليا للدعوة الإسلامية، وهنا تبدو القيمة الخلقية والمسلكية والفكرية للفرد في المقام الأول، سواء في الأداء الروحي أم في بيئة المحيط حوله، والذي يعمل فيه، ولا ضير هنا أن يكون طبيبا، صيدلانيا، محاميا، قاضيا، علمانيا؛ فالداعية الذي
يحمل راية الدين والعقيدة ويتحدث إلى الجمهور بها ويسلكها في الضمير الإنساني، عليه أن يكون أول الملتزمين بها بوصفه قدوة.
فتكوين الأطر العاملة في مسار الدعوة؛ يفترض مسبقا الإيمان الديني