كل امرئ يعرف عندما نسمي عالما حديثا أن هنالك ظاهرة اجتماعية ولدت وسرير ولادتها (أوروبا)، أما تاريخ ولادتها فذلك ما أطلق عليه اسم النهضة الأوروبية (La Renaissance) ، وهنا يمكن أن نسميها (الحضارة الأوروبية المسيحية).
وهكذا يتحدث التاريخ الرسمي المعتمد.
ولكن يبقى لنا السؤال في النهاية: هل هذه الهوية هي أصلية (Authentique) في العمق؟
هل هي الحقيقة كما هي بادية في مظهرها أم لها جذور في موطن لها؟
هنا نشير إلى ما كتبنا من قبل في (شروط النهضة)، فالأحداث الكبيرة لها ولادتان: ولادة تطابق الظاهرة النفسية، وولادة كطابق زمنيا معها.
بالنسبة للمؤرخ فالتوقيت الزمني هو الذي يأخذه بعين الاعتبار، لأنه ينظر إلى الحدث في تسلسله التاريخي. أما عالم الاجتماع والفيلسوف فالتوقيت النفسي هو الذي يأخذه بعين الاعتبار؛ لأنه يشير إلى الحدث في تسلسله السببي.
وهنا لا نقف كثيرا عند ولادة العالم الحديث الذي نسميه النهضة الأوروبية (La Renaissance)؛ لأن الذي يهمنا هو معرفة أي حلقة من التسلسل السببي كانت الولادة.
إن أوروبا هي مهد العالم الحديث، لكن الحدث الرئيسي لكلمة أوروبا في التاريخ هو وصول اليهود إليها كشخصية مستقلة عن الفكرة المسيحية، وهي التي سيطرت على سائر تسلسل حضارتها كما سوف أثبت في الصفحات التالية.
لكي ننطلق من نقطة تكشف لدراستنا فهم تطور العالم الحديث؛ علينا