أن نبدأ من مرحلة تيه الشعب اليهودي (الدياسبورا الشهيرة) وقد انطلق فيها الشعب اليهودي نحو البلاد الأوروبية عقب هدم الهيكل في القدس.
لم يسأل أي مؤرخ: لماذا أخذ الشعب اليهودي هذا الاتجاه دون سواه؟ علما أن الاتجاه نحو آسيا هو الأجدى والأجدر والأوفر لأسباب بادية؛ فاليهود ينتمون من حيث الجنس إلى أصل شرقي، ثم إن الرخاء التجاري والحضاري يحتم اختيار الانطلاق نحو مدن تتلاقى فيها عقدة الطرق التجارية والعالمية، كما هي حركة الانتقال بين الشعوب لألفي عام بين الهند والصين، وهذه الطرق تتلاقى حين تمر بالضرورة عبر الشاطئ اليمني
- الطريق البحري -أو عبر فارس وآسيا الوسطى عبر خطوط القوافل.
هذه العوامل تجعل اليهود من سائر الوجوه يتجهون نحو الشرق وليس نحو الغرب.
لكن اليهود أداروا ظهورهم لذلك كله، وقادوا خطاهم نحو بلاد أوروبا الفقيرة غير المتحضرة (geallo-romaine) (الرومانية) رغم قساوة المناخ الذي لا يرحم طفلا ولد وتأقلم في بلد حار.
هذا الاتجاه المناقض لمنطق الأمور لا يمكن تفسيره من زاوية ما عرضنا من التساؤلات التي تبنى على واقع عصر مضى، ويظل من دون ذلك حدثا يلقي على تلك النقطة المظلمة شعاعا واحدا؛ إنه الطريق الذي خطه شاؤول الذي أصبح فيما بعد القديس بول.
لقد ترك دمشق حين طلب إليه أبوه - وهو ربي كبير - التوجه نحو الشرق لتعليم الأمم، لكننا نرى في كتاب الأعمال أن القديس بولس أدار ظهره بصورة نهائية لبلاد الشرق، وحول رفيقه في خطته الكهنوتية التي كان قد أعدها، ثم ولى وجهه نحو الغرب ليبشر بالمسيحية.
نحن هنا أمام إرادة نهائية للقديس؛ هي أن يحتفظ لشعب أوروبا بتعليم