لذا علينا هنا في مهمتنا أن نعود إلى لحظة التراجيديا القرطاجية التي تمدنا بمؤشرات ثمينة حول خيار إسرائيل لعصر الدياسبورا. فهناك فيما وراء الأجيال ما يضيء لنا أسرار عالمنا الحاضر في معطياته الأساسية: الاستعمار- القابلية للاستعمار.
لقد عرضنا من قبل مدى تأثير اليهود في روما نفسها، ذلك التأثير الذي مر صامتا بغير تعليق، وسيظل هذا الصمت مخيما ومتابعا المسار مع عصرنا عبر نفوذ امتد بقليل أو كثير حول سائر مدارات الإمبراطورية الرومانية، وعلى الخصوص في حركتها المالية والاقصادية.
لقد كان على الضفة الأخرى الإمبراطورية القرطاجية، وهم أيضا لهم خبرة واسعة في الاقتصاد والتجارة والأعمال بصورة أساسية، فضلا عن مهارات واسعة يتمتعون بها، وأبناء عمهم اليهود ليسوا على استعداد
ليتركوا لهم ولو مقدار بوصة من الأعمال التي يمارسونها في الشرق الغني بتجارته ومصانعه والغرب الغني بالمواد الأولية كالخشب والقصدير الذي كان القرطاجيون يبحثون عنه في شمال بريطانيا (Ecosse).
منذ ذلك التاريخ كانت قضية الهيمنة الاقتصادية قد أخذت مكانها ليس بين روما وقرطاجة فحسب، بل بين يهود روما وتجار قرطاجة، حيث قامت الحرب الضروس ولم تقف ضد قرطاجة بتأثير فعلي من اليهود، مما ألزم جنود قرطاجة أن يكونوا على استعداد بكامل جهوزية لباسهم العسكري الذي يشير إلى العظمة والأبهة الوطنية. هذه الظاهرة تكررت مرة أخرى في التاريخ الحديث ما بين أعوام الحرب العالمية الثانية ٣٩ - ٤٤ حينما هبت سائر جموع أوروبا صارخة (اهدموا ألمانيا) وهم يظنون أنهم يعبرون عن المشاعر الوطنية وحتى الأوامر الدينية، وقد اندفعوا بإيحاء من اليهود ضد الهتلرية التي هي في الحقيقة أضحت خطرا على نفوذهم في العالم. و (Caton) الذي أعطى الأمر بهدم قرطاجة ليس أكثر ولا أقل