للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد بن يحيى بن عليّ بن الفضل بن هبة الله بن بركة بن

فضلان، شيخنا قاضي القضاة أبو عبد الله الملقّب محيي الدّين (١).

رئيس الفقهاء في زمانه على الإطلاق، والمقدّم على أهل عصره، فضلا وعقلا ورياسة، ونبلا وكرما وسخاء، وعلوّ همة، وشرف نسب، وتعزّزا بالله ووثوقا به. كان مدرّسا بمدرسة دار الذهب (٢)، وكاتبا في دار التشريفات، ثم ولي تدريس المدرسة النّظامية، وردّ أمر المارستان وديوان الجوالي إليه. ثم قلّد قضاء القضاة، فلم يزل على ذلك إلى آخر الأيام الناصريّة. ولمّا بويع الظاهر بأمر الله أقرّه على ذلك شهرا ثم عزله، فانكفأ إلى منزله، وعليه ديون حتّى للخبّاز، فنفذت رسولا من أحد خواصّ الخليفة المستنصر بالله رحمة الله عليه، ممّن يعرف حاله، وقال لي: قل له يكتب إلى الخليفة يسأله من المير المقبل إطلاق ما يحصل رسما ونصيبا يصل إليه في كلّ سنة مدة أيام حياته، وإلى أولاده بعد وفاته، فلمّا قلت له أبى وقال: والله ما كتبت قطّ أسأل مخلوقا شيئا، وأمّا الأولاد فإن كانوا صالحين فالله يتولاّهم. فأعدت إلى/٢٣/ من أرسلني إليه جوابه، فعجب منه، ثم قال: لله درّه! كان من عرعرة (٣) الرّواسي، ثم أنهى صورة الحال إلى الخليفة، فقرّر أن يجعل له رسم في كلّ سنة مائة دينار.

ومن قوّة نفسه ما حدّثني به الأستاذ سعد الدّين محمد بن جلدك، وكان خازن دار التشريفات، قال: كان ابن فضلان عندنا كاتبا، ولم أر أعظم ناموسا منه، ولا أتمّ وقارا، هجم علينا في بعض الأيام الناصر لدين الله ونحن في اعتبار بعض الخزائن، فقام جماعة النوّاب ثم قبّلوا


(١) ترجمته في: الحوادث:٩٠ - ٩١، وتاريخ ابن الدبيثي:٢/ ١٧٢، وتاريخ الذهبي: ١٤/ ٥٧، والوافي بالوفيات:٥/ ٢٠٠، وطبقات الشافعية للإسنوي:٢/ ١٣٦، وشذرات الذهب:٥/ ١٤٦.
(٢) من المدارس المشهورة ببغداد وتعرف بمدرسة فخر الدولة أبي المظفر ابن المطلب بعقد المصطنع. تاريخ ابن الدبيثي:٢/ ١٧٢.
(٣) عرعرة الجبل: رأسه وأعلاه. اللسان. عرر.

<<  <   >  >>