للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القعود بين يديه، ولمّا رأى منّي ذلك أحبّني، وكان يسألني عن حالي، ويسأل عنّي إذا غبت، ويخصّني بشيء من الحلاوة في كلّ وقت كنت أحضر عنده، وكان له ولد اسمه عبد الرحيم، ولقبه عون الدّين، يأمره بالقعود معي ويقول: اقرأ معه بالإرادة، فإذا رأى عنده تقصيرا أو ميلا إلى لعب، ينكر عليه ويقول له: لم لا يكون لك مثل هذا؟ فإنّ له همة، أرجو له الصّلاح، وكان يعتذر إليه ويقول: هذا أكبر منّي. ولقد صدق رحمه الله، فإنّي كنت أسنّ منه بسنتين. فكان الشيخ رحمه الله إذا تكلّم يظهر البهاء والنّور على ألفاظه، وتقبلها الأسماع والقلوب، ولا يشبع جليسه من مجالسته. ولقد حضرت عند جماعة من شيوخ العلم والموسومين بالزّهادة والعبادة، فلم أر فيهم أكمل منه، ولا أحسن طريقة وسمتا» (١).

وبمثل هذه العبارات الرّقيقة الصّادقة، وصف ابن أنجب مجموعة من شيوخه في الدّرّ الثمين.

[ثالثا: ذكر بعض شيوخه]

عاش عليّ بن أنجب الساعي في عصر كثر فيه العلماء والفضلاء، خصوصا في مدينة بغداد؛ إحدى المدن العالمة في ذلك الوقت؛ التي لا يكاد يخلو موضع فيها من مدرسة، أو جامع، أو رباط، أو خانقاه.

وكلّها كانت تعجّ بحلقات الدرس والتحصيل في مختلف العلوم. وقد ذكر جلّ من ترجم ابن أنجب أنّ شيوخه كانوا كثرا، وأنّ إجازاته ومروياته متعدّدة، لذلك قيل في وصف مشيخته: إنّها تقع في عشرة مجلّدات (٢).

وبما أنّ هذه المشيخة ما زالت في حيّز المفقود، فسنكتفي بذكر بعض شيوخه الذين ذكرهم في كتبه، أو ذكروا عرضا في كتب التواريخ والسّير، فمنهم:


(١) أخبار الزهاد خ:٩٣.
(٢) ينظر تاريخ الذهبي:١٥/ ٢٧٩، والوافي بالوفيات:٢٠/ ١٥٩، وشذرات الذهب: ٥/ ٣٤٣ - ٣٤٤.

<<  <   >  >>