للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سعادة عظيمة، فإنه رأى ما لم يره أحد من أبناء جنسه، فإنه مدحه خمس مائة شاعر من أرباب الدواوين المشهورة. وممّن كان ببابه: قاضي القضاة عبد الجبّار بن أحمد الأسدآباذيّ (١)، وكان قد فوّض إليه قضاء همذان والجبال، فرآه الصاحب يوما وهو راكب، فلم يترجّل له، وقال:

أيها الصاحب، قد أردت أن أترجّل للخدمة، ولكنّ العلم يأبى ذلك.

وكان يكتب إليه على عنوان كتابه: داعيه عبد الجبار، ثم كتب: وليّه عبد الجبار بن أحمد، ثم كتب: عبد الجبار بن أحمد، فقال الصاحب:

أظنّه يؤول أمره إلى أن يكتب: الجبار بن أحمد (٢).

وكان صاحب خراسان نوح بن أحمد السّامانيّ (٣) قد أرسل إلى الصاحب في السّر يرغّبه في خدمته، ويستدعيه إلى حضرته، وبذل له البذول السّنيّة. فكان من جملة اعتذاره أن قال: كيف يحسن بي مفارقة قوم بهم ارتفع/٧٩/ قدري، وشاع بين الأنام ذكري؟ ثم كيف لي بحمل أموالي مع كثرة أثقالي، وعندي من كتب العلم خاصّة ما يحمل على أربع مائة جمل (٤).

قال أبو الحسن البيهقيّ: وبيت الكتب الذي بالرّيّ دليل على ذلك، فإنّي رأيته بعد ما أحرقه السلطان محمود بن سبكتكين، وشاهدت فهرست الكتب التي كانت فيه في عشر مجلّدات. وسبب حريق الكتب أنّ السلطان لمّا دخل الريّ رآها، فسأل عمّا فيها، فقيل: هذه كتب


(١) عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار القاضي أبو الحسن الهمذاني الأسدآباذي شيخ المعتزلة وصاحب التصانيف توفي سنة ٤١٥ هـ‍ عن سن عالية ترجمته في تاريخ بغداد: ١٢/ ٤١٤، وتاريخ الذهبي:٩/ ٢٥٤، والسير:١٧/ ٢٤٤.
(٢) معجم الأدباء:٦٩٧.
(٣) أبو القاسم نوح بن منصور بن نوح بن أحمد الساماني سلطان بخارى وسمرقند وخراسان وغزنة وما وراء النهر حكم اثنتين وعشرين سنة وتوفي سنة ٣٨٧ هـ‍. سير أعلام النبلاء:١٦/ ٥١٤، والبداية والنهاية:١١/ ٣٢٣، والنجوم الزاهرة:٤/ ١٩٨.
(٤) الخبر في معجم الأدباء:٦٩٧.

<<  <   >  >>