للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث فيعرضون عليه فيوقفهم على غوامض من علم الحديث، فيعجبون منه، ثم يأتيه أصحاب الفقه المتوافقون والمتخالفون، فلا يقومون إلاّ وهم مذعنون له بالحذق والدّيانة. ويأتيه أصحاب علم الأدب، فيقرءون عليه الشّعر، وكان يحفظ من شعر العرب عشرة آلاف بيت بغريبها ومعانيها، وكان من أعرف الناس بالتاريخ، مع عقل ودين، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله عزّ وجل.

وقال أبو الفضل الزجّاج: لمّا قدم الشافعيّ إلى بغداد، كان يقعد في الجامع نيّف وأربعون حلقة، فاجتمع الكلّ عنده، ولم يبق في الجامع حلقة لغيره (١). وكان من أعلم الناس بالفراسة.

قال حرملة بن يحيى (٢): سمعت الشافعيّ يقول: احذر الأحول، والأعور، والأعرج، والأحدب، والأشقر، والكوسج، وكلّ من به عاهة في بدنه، وكلّ ناقص الخلق، فإنّ معاملته عسرة (٣).

ومن سخائه ما حكاه الربيع قال: دعا الشافعيّ حجّاما يوما، فأخذ من شعره، فأعطاه خمسين دينارا (٤).

ولمّا دخل على الرشيد وامتحنه، وطلب منه أن يعظه، فوعظه، أعطاه خمسة آلاف دينار، ففرّقها في خاصّته وحاشيته، فما مضى إلى منزله ومعه منها سوى مائة دينار. وكان قلّ أن يمسك شيئا من سماحته (٥).


= ٢/ ٦٧، وميزان الاعتدال:٣/ ٦١١، والأعلام:٦/ ٢٢٣.
(١) النص في تاريخ بغداد:٢/ ٦٨ - ٦٩ مع بعض الزيادة.
(٢) حرملة بن يحيى التجيبي، من أصحاب الشافعي كان حافظا للحديث وله فيه مصنفات توفي سنة (٢٤٣ هـ‍) ترجمته في: وفيات الأعيان:٢/ ٦٤، وطبقات الشافعية للسبكي: ٢/ ١٢٧، وتهذيب التهذيب:٢/ ٢٩٥ والأعلام:٢/ ١٧٤.
(٣) النص في سير أعلام النبلاء:١٠/ ٤٠ عن أبي حاتم عن حرملة.
(٤) النص في سير أعلام النبلاء:١٠/ ٣٨ ضمن قصة عن الزبير بن سليمان القرشي مع زيادة.
(٥) النص في معجم الأدباء:٢٣٩٧ عن طاوس اليماني.

<<  <   >  >>