للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: ما شبعت منذ ستّ عشرة سنة، لأنّ الشّبع يثقل البدن، ويقسّي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النّوم، ويضعف صاحبه عن العبادة (١).

فانظر إلى حكمته في ذكر آفات الشّبع، ثم في جدّه في العبادة، كيف اطّرح الشّبع لأجله، ورأس القصد تقليل الطعام.

وقال: ما حلفت بالله عزّ وجلّ، صادقا ولا كاذبا (٢). فانظر إلى حرمته وتوقيره، وذلك دليل على علمه بجلاله سبحانه.

وممّا يدلّ على إرادته بالمناظرة وجه الله تعالى ما روي عنه أنه قال:

وددت أنّ الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إليّ منه شيء (٣). فانظر كيف اطّلع على آفة العلم وطلب الاسم به، وكيف كان منزّه القلب من الالتفات إليه لمجرّد النّية فيه لوجه الله تعالى.

وكان يقول: ما ناظرت أحدا قطّ فأحببت أن يخطئ، وما ناظرت أحدا قطّ وأنا أبالي أظهر الحقّ على لسانه أو لساني، وما أوردت الحجة على أحد قطّ فقبلها إلا هبته، واعتقدت مودّته، ولا كابرني أحد على الحقّ إلا سقط من عيني ورفضته (٤).

فهذه العلامات كلّها تدلّ على إرادته بالفقه والمناظرة وجه الله سبحانه وتعالى. وقد ذكرت طرفا من مناقبه في أول كتاب «الاقتفاء لطبقات الفقهاء» (٥)، وذلك بعض من كلّ، فقد صنّف جماعة من الأعيان العلماء والأئمة الفضلاء مناقبه وما نقل من فضائله (٦).


(١) الخبر في السير:١٠/ ٣٦.
(٢) المصدر نفسه:١٠/ ٣٦.
(٣) المصدر نفسه:١٠/ ٢٩.
(٤) الخبر في السير:١٠/ ٢٩ - ٣٣ وفيه ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة.
(٥) من كتب ابن الساعي التي لا تزال في حكم المفقود. وقد ورد ذكره في عدة مواضع من هذا الكتاب، ونقل منه ابن الفوطي في تلخيص مجمع الآداب، وأحال إليه الإمام الذهبي في مواضع كثيرة من كتبه.
(٦) أورد السبكي في طبقاته مجموعة هامة من المؤلفات التي صنفت في مناقب الشافعي ١/ ٣٤٣ - ٣٤٥.

<<  <   >  >>