للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالثقافات متعددة بتعدد «المِلل»، ومتميزة بتميُّز «الملل»، ولكل ثقافة أسلوب في التفكير والنظر والاستدلال مُنتَّزَعٌ من «الدين» الذي تدين به لامحالة.

فالثقافات المتباينة تتحاور، وتتناظر، وتتناقش؛ ولكن لا تتداخل تداخلاً يُفضي إلى الامتزاج البتَّةَ، ولايأخذ بعضها عن بعض شيئاً، إلا بعد عرضِهِ على أسلوبها في التفكير والنظر والاستدلال، فإن استجاب للأسلوب أخذَتْهُ وعَدَّلَتْهُ وخلَّصَتْهُ من الشوائب، وإن استعصى نبذَتْهُ واطَّرحَتْهُ. وهذا باب واسع جداً، ليس هذا مكان بيانه، ولكني لا أفارقه حتَّى أُنبِّهَكَ لشئ مهم جداً، هو أنْ تفصل فصْلاً حاسماً بين ما يُسمَّى ... «ثقافة» وبين ما يسمّى «علماً» ــ أعني: العلوم البحتة ــ (١)؛ لأن لكل منهما طبيعةً مباينةً للآخر، فالثقافة مقصورةٌ على أمةٍ واحدةٍ تدين بدين واحد؛ والعلم مُشاعٌ بين خلق الله جميعاً، يشتركون فيه اشتراكاً واحداً مهما اختلفت الملل والعقائد). (٢)


(١) ينظر: «من وحي القلم» للرافعي (٣/ ١٥٥).
(٢) «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا» لمحمود شاكر (ص ٧٤ ـ ٧٥)، وانظر أيضاً (ص ٣١).

<<  <   >  >>