ولكن لايصل عجبي منها إلى حد الإعجاب بها، أو تذوقها وفهمها.
وكيف أعجب بلوحة ما أرى فيها إلا علب كبريت مكوَّمة أكواماً، أو حجارة مركومة ركماً، أو سلماً مقلوباً قد تعلق بخطوط متعرجة متداخلة بلا ترتيب ولا نظام ولا دقة ولا إحكام، كأنها خرابيش الدجاج على بقعة من الرمل، ثم أرى تحتها كتابة موضِّحة لها تقول إنها صورة امرأة جميلة، أو مشهد غروب الشمس في البحر ... وما ثَمَّ شمس ولا بحر، ما هناك إلا الفوضى والعبث!
كهذا المذهب الحديث في الشعر، حيث ترصف كلمات جميلة لايربط بينها رباط يتبينه الفكر، ولا صورة يلذها الذوق، ولا موسيقى تطرب لها الآذان، ما هي إلا معجم، ولكنه معجم قد اختلَّ ترتيبه! قالوا: إن هذا هو الشعر الحديث!
والذي نعرفه أن الألفاظ أوعية المعاني، فإذا خَلَت من المعنى المبتكر، والصورة الحلوة، عادت ألفاظاً فارغة، لها إن قرعتها طنين ورنين، وما فيها فائدة للمستفيدين، وصارت ألاعيب لأدباء ذلك الزمان الذي يدعوه مؤرخو الأدب بعصر الانحطاط؛ كلُّ همِّ رجالِهِ التلاعب بالألفاظ لا يجاوزونها.