للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقوماتها، وتعيش بلا تاريخ.

والأمم كلها مهما تكن فلسفتها الاجتماعية والاقتصادية، تحرص أشد الحرص على تراثها، وتبذل جهوداً كبيرة لإحيائه ونشرِه، وبثِّه في نفوس أبنائها؛ بل إن بعض الأمم الحديثة تفتعل لنفسِها تراثاً تجمع أجزاءَه تجميعاً، وتنفخ فيه نفخاً؛ لتتم له صورة تفئ إليها الأمة، وتنطلق منها.

فليس صحيحاً أن الأخذ بأسباب الحضارة يستلزم هدم التراث، وقد انخدعت بعض الأمم بهذه الدعوى، فأصبحت كالمُنْبَتِّ لا أرضاً قطعَ، ولا ظهراً أبقى!

وإنما الصحيح أنَّ تَقدُّمَ الأمةِ ــ حين تبدأ الحياة تنسابُ فيها ــ إنما يكون من داخل نفسها، وينطلق من تراثها). (١)

ويتساءل بعض الناس عن امكانية نقل ثقافة الغرب كلِّها مادام أننا نقلنا منهم الصناعة؟ كأنه يرى التلازم بينهما، وما علم أن ثقافتهم وعاداتهم تضايق منها مثقفوهم وعقلاؤهم؛ لأنها قائمة على معاكسة الفطرة. (٢) وأن هناك فرقاً بين «الثقافة» و «العلوم البحتة» فالأولى من


(١) «تحقيقات في اللغة والأدب» (ص ١٨٧ ـ ١٨٨).
(٢) ينظر: «حصوننا مهددة من الداخل» د. محمد محمد حسين ـ ط. الأولى، سنة ١٣٨٧ هـ (ص ١٠٦، ١٠٧). وقارن بمقالة متينة للعلامة محمود شاكر في «جمهرة مقالاته» (١/ ٣٨٣ ـ ٣٨٨)، و (٢/ ٨١٠ ـ ٨١٢). وانظر: «آثار الإبراهيمي» ... (٣/ ٤٤٩ ـ ٤٥١)، و «تحت راية القرآن» للرافعي (ص ٢٧٤)، «تقرير عن شؤون التعليم والقضاء» لأحمد شاكر (ص ٤٤)، و «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا» لمحمود شاكر (ص ٥٢ ـ ٥٣).

<<  <   >  >>