ومع ماسبق، فإن مرام الحديث هنا: بيان غناء التراث وتميزه في شتى الفنون، وليس القصد بهذه الإلماحة السريعة بعث الغرور، والكسل؛ والاكتفاء بمخازن التراث العظيمة، والركون إلى النتائج المبهرة؛ دون مسابقة الحضارات الأخرى في مجالات التجارة والصناعة، والتقدم في شتى المجالات، قال الأستاذ: إبراهيم المويلحي - رحمه الله - (ت ١٣٢٤ هـ) في مقال نشره في جريدته الأسبوعية «مصباح الشرق» بتاريخ (٢٤/ ٨/ ١٣١٧ هـ / ١٨٩٩ م) تحت عنوان «حرصهم وتفريطنا» قال: (إن أجمع ما يتسلَّى به الشرقي في انحطاطه أمام الغربي في ارتفاعه، مزعمه بأن ما وصل إليه الغربي لم يكن إلا من فضل الشرقي، وأنه هو الأصل الذي تفرعت عنه العلوم، والمَنْبت الذي ازدهرت منه المعارف، فيتغطى بملاءة من الفخر مطرَّزةٍ ببهرج الفخفخة.
ثم يستمر غافلاً في رقدته، غريقاً في نومته، لايتحرك منها إلا ساعة مفتخره ومباهاته بأن أصل هذه العلم كان من وضع أجداده الشرقيين، وتلك المعارف إنما كان مطلعها من أفقه، غير آخذ مأخذ الغربي في الانتفاع بما لديه؛ ليبلغ شأوه في تقدمه، بل تراه يستعظم ما في رأسه من خيال المجد الماضي، ويستهين بما في يده من البقية الموجودة التي ورثها عنه، فيتخفها