للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قومهم، وجعل الله مكروهًا لديهم أَحَدَ القتالين، وإذا قلتَ ذلك كنت قد دعوت في الجملة بأن تحصر صدورهم من قتال قومهم، وذلك لا يجوز؛ لأنه دعاء لهم من حيث إنهم إذا لَمْ يكرهوا قتال قومهم قويت شوكتهم، ولم يتبدد شملهم، وإنما ينبغي أن يكون الدعاء بأن يُحَبَّبَ إليهم قتال قومهم، نحو: جعل الله بأسهم بينهم، فاعرفه فإنه قول متين وبيان لطيف.

والخامس: أنه في موضع جر على أنَّه صفة بعد صفة لـ {قَوْمٍ}، و {أَوْ جَاءُوكُمْ} جملة معترضة، والدليل عليه قراءة من قرأ: (إلَّا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم) بطرح {أَوْ جَاءُوكُمْ} (١)، وقراءة من قرأ: (حَصِرَةٍ) بالجر والتنوين (٢).

فإن قلت: لَمْ لا يكون الماضي حالًا إلَّا ومعه (قد) مُظْهَرَة أو مضمرة؟ قلت: قيل: لأنَّ الحال ما حضر، والماضي منقطع منقضٍ، و (قد) يقرب الماضي من الحال، فإذا كانت معه جرى مجرى الحاضر، نحو: مررت بزيد يقوم، وهذا زيد يقوم، ومثل ذا قولهم: قد قامت الصلاة، وذلك أنهم لما قصدوا الإِخبار بأن الصلاة كأنها قائمة أتوا بقد، ليعلم أن القصد إشرافها على القيام.

ولو قيل: قامت الصلاة، كان الظاهر أنَّها قد انقطعت، فقد جرى قولهم: قد قامت الصلاة مجرى قولك: تقوم الصلاة، تريد الحال، كقولك: هذا زيد يقوم، فاعرفه فإنه موضع، وهو من دقائق أهل هذه الصناعة.

وقرئ: (جاءوكم) بغير أو (٣)، على أنْ يكون {جَاءُوكُمْ} بيانًا بـ


(١) نسبها النحاس ١/ ٤٤٣، وابن عطية ٤/ ٢٠٣، هكذا إلى أُبي رضي الله عنه.
(٢) كذا أيضًا ذكرها العكبري ١/ ٣٧٩ على أنَّها قراءة، ولم أجد من نسبها، وذكرها النحاس ١/ ٤٤٣ على أنَّها وجه إعرابي جائز.
(٣) هكذا ذكرها الزمخشري ١/ ٢٨٨ ونسبها إلى أُبي رضي الله عنه. وحكاها أبو حيان ٣/ ٣١٧ عن العكبري، وليست في التبيان، وإنما هي فيه كما ذكرها النحاس، وابن عطية.

<<  <  ج: ص:  >  >>