للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من كتاب الله فليسألني، إنه بلغني أن قوماً يقولون: إن الله لا يعلم ما يكون حتى يكون لقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} الآية، وإنما قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ} يقول: حتى نرى من كتب عليه الجهاد والصبر إن جاهد وصبر على ما نابه وأتاه مما قضيت عليه» (١).

فهؤلاء القوم فهموا من قوله تعالى: {حَتَّى نَعْلَمَ} أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها، وقد خَطَّأ عليٌّ فهمهم ورده عليهم لدلالة النصوص الكثيرة على أن الله يعلم كل شيء - ما كان وما سيكون - دون استثناء، فلا بد لهذه الآية من معنى آخر غير ما فهموه كي يتفق مع الآيات الأخرى، وهو ما بينه علي - رضي الله عنه - من أن العلم المذكور هو علم الوقوع والوجود (٢).

ويفيد أثر علي - رضي الله عنه - أن القول بالقدر بدأ في عهده، وجاء عن يحيى بن يعمر أنه قال: «كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني» (٣)، فيحتمل أنه وأصحابه


(١) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (١/ ٤٦٥) [ط. دار ابن الجوزي] معلقاً على أبي سنان، وقال محقق الكتاب: «رجاله ثقات».
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٦٠٧٤)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٤٩٦)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (٧/ ٣٠٤).
(٣) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (١/ ٣٦) برقم (١)، ومعبد هو ابن عبد الله ويقال: ابن خالد الجهني، أخذ القدر عن سوسن النصراني، روى عن ابن عمر وابن عباس، قال الذهبي: «صدوق في نفسه، لكنه سن سنة سيئة»، قتله الحجاج عام (٨٠) بعدما عذبه لخروجه مع ابن الأشعث.
انظر: المجروحين (٢/ ٣٧٥)، وتاريخ الإسلام حوادث سنة (٨١ - ١٠٠ ص ١٩٩)، وميزان الاعتدال (٥/ ٢٦٦)، والبداية والنهاية (١٢/ ٣٠٢).

<<  <   >  >>