للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمتقرر عند علماء الحديث أن سبب النزول له حكم الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونقل ابن حجر الاتفاق على ذلك (١)، وهذا يؤكد أهميته، ويقوي الاعتماد عليه كأساس من أسس النقد، ولذا فمخالفته مخالفة للسنة، إلا أنه ينبغي التحقق من كون الخبر سبب نزول، فقد يرد عن بعض الرواة حكاية ما يحتمل السببية، وما يحتمل التفسير، وبيان ما تضمنته الآية من أحكام؛ مثل قول الرواي: نزلت هذه الآية في كذا، وقد وقع الخلاف في رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وإجرائه مجرى الحديث المسند، فأدخله بعض العلماء في المسند، وحكاه ابن تيمية عن البخاري (٢).

ومن الشواهد عن الصحابة والتابعين على النقد بأسباب النزول ما يلي:

١ - عندما التقى المسلمون مع الروم في إحدى المعارك حمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل عليهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! (٣)، فقام أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -، فقال: «أيها الناس إنكم


(١) فتح الباري (٥/ ٤١٢)، وانظر في الحكم برفعه: معرفة علوم الحديث (ص ٢٦)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (١٣/ ٣٣٩)، والبرهان (١/ ١٢٦)، والإتقان (١/ ٤١)، وتدريب الراوي (١/ ٢١٦)، ومناهل العرفان (١/ ١٠٧).
(٢) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٤٠).
(٣) وجاء هذا التأويل عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، ففي تفسير ابن أبي حاتم (١/ ٣٣٢)، والعجاب لابن حجر (ص ٢٩٣) أن المسلمين حاصروا دمشق، فانطلق رجل من أزد شنوءة، فأسرع في العدو وحده ليستقتل، فعاب ذلك عليه المسلمون، ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص، فأرسل إليه عمرو فرده، وقال له: قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.

<<  <   >  >>