للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فائدة: -

أما ما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له)

فهذا ممَّا اختلف فيه العلماء ,فضعَّفه بعض العلماء وصححه آخرون، وعلى فرض صحة هذا الحديث- وهو الراجح والله أعلم- (١)، فقد تأوَّله العلماء على وجوه:

١ - قوله صلى الله عليه وسلم (فلا شيء له): أى فلا شيء عليه ,كما فى قوله تعالى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء/٧) أي فعليها، والمعنى: أنه لا حرج لمن صلى الجنازة في المسجد، فلا نهي عن ذلك. (٢)

٢ - قوله صلى الله عليه وسلم (فلا شيء له) أي لا أجر كامل له؛ لأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ من صَلَّى الجنازة فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ، فَلا يَشْهَدُ دَفْنَها، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحَرَاءِ بِحَضْرَةِ الْقُبُورِ يَشْهَدُ دَفْنَها، فَيَسْتَكْمِلُ أَجْرَ الْقِيرَاطَيْنِ. (٣)

٣ - أنَّ الحديث لبيان أنَّ صلاة الجنازة في المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد، فيكون الحديث مفيداً لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة زائدة على كونها خارجة نَعَمْ يَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَفِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (٤)

٤ - أنَّ النسخة المحققة المشهورة المسموعة من سنن أبي داود (من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه) (٥)


(١) أخرجه احمد (٩٨٦٥) وأبوداود (٣١٩١) وقد ضعَّفه ابن المنذر والنووى والبيهقى وأحمد ,وقال أحمد: تفرد به صالح مولى التوأمة وهو مختلف فى عدالته. ا. هـ
قال ابن عبد البر: وَصَالِح مولى التوءمة مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مَنْ لَا يَقْبَلُ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِهِ لِضَعْفِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ خَاصَّةً لِأَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ فَكَانَ لَا يَضْبِطُ وَلَا يَعْرِفُ مَا يَأْتِي بِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ - أي الحديث المذكور أعلاه -مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ الْبَتَّةَ. ا. هـ
ولكن نقول: أنَّ صالحاً وإن كان قد اختلط، فإنَّ هذا الحديث قد رواه عنه ابن أبى ذئب، وهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، كما نص على ذلك ابن معين وابن عدى والجوزجاني وابن القيم والألباني، وعليه فلا وجه لتضعيف الحديث، ولذلك قال الإمام ابن قيم بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا: "وهذا الحديث حسن، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل اختلاطه، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط "، قال ابن حجر: صدوق، اختلط بآخره، ا. هـ. وعليه فالحديث لا يقل عن درجة الحسن، وانظرتهذيب التهذيب (٢/ ٥٤١) والتمهيد (٨/ ٥٤٧) ونصب الراية (٢/ ٢٨٣) وزاد المعاد (١/ ١٩٩) والسلسلة الصحيحة (٥/ ٤٦٥) ونثل النبال (٢/ ٦٨٨)
(٢) وانظر الاستذكار (٣/ ٤٦) وفيض القدير (٦/ ١٧١) والسلسلة الصحيحة (٤/ ٢٣٥١)
(٣) وانظر الإفصاح (١/ ٢٨٠) وحاشية ابن القيم على السنن (٦/ ٨٦) وشرح السنة (٣/ ٢٤٦)
(٤) انظر حاشية السندى على ابن ماجه (١/ ٤٦٣)
(٥) انظر نصب الراية (٢/ ٢٨٣) وفيض القدير (٦/ ١٧١) والتعليقات الرضية (١/ ٤٤٥)

<<  <   >  >>