ــ وللنهي الوراد في هذا الحديث جملة من العلل منها:
١ - أنَّ آفة ذلك هي فتنة الرياء وحب محمدة الناس.
٢ - حرمان المسلمين من ذلك المكان بحجزه عنهم , وأخذه منهم دون تبكير له أو مبادرة إليه.
٣ - أن يألف الرجل مكاناً معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه كالبعير لا يأوي من عطنه إلا مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخاً لا يبرك إلا فيه. (١)
قلت: وذلك موافقاً لجملة من المناهي التي نهى فيها الشرع عن التشبه بالحيوانات في هيئات الصلاة.
فدل ذلك على أنَّ من السنة أن يغيِّر المرء الموطن الذي يصلي فيه في المسجد ,ولا يلازم موطناً بعينه، فإنَّ هذه المواطن التي يصلِّي فيها المرء تشهد له يوم القيامة.
(١) وانظر إنك لعلى خلق عظيم (٢/ ٤٦٠) والنهاية في غريب الحديث (٥/ ٢٠٤) والثمر المستطاب (٢/ ٦٧٤). قال الشيخ جمال الدين القاسمي فىصلاح المساجد (١/ ١٨٦): يهوى بعض ملازمي الجماعات مكاناً مخصوصاً أو ناحية من المسجد إما وراء الإمام أو جانب المنبر أو أمامه أو طرف حائطه اليمين أو الشمال أو الصفة المرتفعة في آخره بحيث لا يلذ له التعبد ولا الإقامة إلا بها، وإذا أبصر من سبقه إليها فربما اضطره إلى أن يتنحى له عنها؛ لأنها محتكرة أو يذهب عنها مغضباً أو متحوقلاً أو مسترجعاً، وقد يفاجئ الماكث بها بأنها مقامه من كذا وكذا سنة، وقد يستعين بأشكاله من جهلة المتنسكين على أن يقام منها إلى غير ذلك من ضروب الجهالات التى ابتليت بها أكثر المساجد ولا يخفى أن محبة مكان من المسجد على حدة تنشأ عن الجهل أو الرياء والسمعة وأن يقال: إنه لا يصلى إلا فى المكان الفلاني أو إنه من أهل الصف الأول مما يحبط العمل ملاحظته ومحبته نعوذ بالله. وهب أنَّ هذا المتوطن لم يقصد ذلك فلا أقل أنه يفقد لذة العبادة بكثرة الإلف والحرص على هذا المكان بحيث لا يدعوه إلى المسجد إلا موضعه وقد ورد النهي عن ذلك ا. هـ