للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تنبيه هام]

ما روى عن حُذَيْفَة -رضى الله عنه-أنه قال لابن مسعود- رضى الله عنه- «أَلَا أَعْجَبَكَ مِنْ قَوْمِكَ عُكُوفٌ بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ الْأَشْعَرِيِّ» يَعْنِي الْمَسْجِدَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: " لَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ "؟

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَلَعَلَّهُمْ أَصَابُوا وَأَخْطَأْتُ، (١) فليس هذا الأثر مقتضياً لمنع الاعتكاف إلا فى المساجد الثلاثة، بل الراجح - والله أعلم - هو مشروعية الاعتكاف فى غيرها من المساجد التى تقام فيها الجمع والجماعات، وهو قول جمهور العلماء.

وظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] , فَعَمَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا بِذَلِك، وصيغة الجمع بـ (مساجد) الدالة على صيغة منتهى الجموع، والألف واللام في كلمة (المساجد) للجنس، أي: كل المساجد، أو للعهد، أي: المساجد المعهودة لصلاة الجماعة، أو مساجد الجمعة، فهي المساجد التي تصح فيها صلاة الجماعة, والتخصيص يحتاج إلى دليل قوي، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِي مَسَاجِدِ بُلْدَانِهِمْ , إِمَّا مَسَاجِدُ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَاتُ , وَإِمَّا هِي وَمَا سِوَاهَا، مِنَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَهَا الْأَئِمَّةُ وَالْمُؤَذِّنُونَ عَلَى مَا قَالَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِى ذَلِكَ، ، ولا يمكن أنْ يخاطب الله - تعالى -الأمة بهذا الحكم العام في الاعتكاف ويقول في المساجد، ثم لا يراد به إلا ثلاثة مساجد، قد يدركها الناس، وقد لا يدركونها.


(١) أخرجه عبد الرزاق (٨٠١٦) وابن أبي شيبة (٩٦٦٩) وسنده صحيح، وقد روى مرفوعاً وموقوفاً، ولا شك أنه مخالف لعموم قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ {
وحصر الاعتكاف فى هذه الثلاثة هو رأى بعض الصحابة مثل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، ولكنَّ جماهير العلماء من الصحابة ومن بعدهم على خلاف ذلك.، وقد قال أبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور بصحة الاعتكاف في كل مسجد تصلى فيه الصلوات كلها، وهذا قول جمهور العلماء. وانظر مشكل الأثار (٧/ ٢٠١) والمحلى (٥/ ٢١٥) وصحيح فقه السنة (٢/ ١٤٠)

<<  <   >  >>