للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن حزم: وَمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَ عَنْهُ غَيْرَ تَارِكٍ لَهُ فَرَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقَامَ أَحَدٌ عَنْ مَكَانِهِ؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ا. هـ (١)

[فصل: تطييب المساجد وصيانتها عن الأذى: -]

وهذا الباب يشتمل على أدب هام حث الشرع عليه ورغَّب فيه، وهو وجوب صيانة المساجد عما يلحق بها أو بعمَّارها من الملائكة والإنس من الأذى، وهذا ممَّا ورد الأمر به في كتاب الله - تعالى - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم:

١ - قال تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) [النور/٣٦]

قال الحسن البصري: معنى قوله "أن ترفع " أي تعظَّم ويرفع شأنها وتطهر من الأنجاس والأقذار. ا. هـ (٢)

- قال تعالى (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة/١٢٦) وقال تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)) (الحج /٢٦)

قال شيخ الإسلام ابن تيميه: أمر الله - تعالى - بتطهير بيته الذي هو المسجد الحرام، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بتنظيف المساجد وقال (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). ا. هـ (٣)

يُؤخَذ مِنْ هَاتين الْآيَتين: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرك عِنْدَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ قَذَر مِنَ الْأَقْذَارِ، وَلَا نَجَسٌ مِنَ الْأَنْجَاسِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَلَا الْحِسيةِ، فَلَا يُتْرَكُ فِيهِ أَحَد يَرْتَكِبُ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ، وَلَا أَحَد يُلَوِّثُهُ بِقَذَر مِنَ النَّجَاسَاتِ. (٤)


(١) وانظر المحلى (٤/ ٦٦) واصلاح المساجد (١/ ٢٦٧) وأما الأثر الذي ذكره ابن حزم أعلاه فقد أخرجه أحمد (٧٥٦٨) والبخاري في الأدب المفرد (١١٣٨) وأبو داود (٤٨٥٣) وصححه الألباني في الصحيحة (٣٩٧٥)
(٢) انظر الجامع لأحكا م القران (٦/ ١٧٦) ومعالم التنزيل (٥/ ٦٠)
(٣) وانظر مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٠٢)
(٤) ذكره الشنقيطي في الأضواء (٤/ ٤٩٨)

<<  <   >  >>