للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحديث هو أقوى ما يُستدل به؛ لأنَّ بعث معاذ لليمن كان قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم بيسير، ولو كانت تحية المسجد واجبة، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بأنَّ الله - تعالى - قد فرض عليهم ست صلوات، لا خمساً. (١)

ويؤيد هذا الإستحباب: حديث أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي المَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا: فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا. (٢)

- لكن إذا كانت تحية المسجد سنة - على الراجح - فهي سنة مؤكدة لا تترك بحال، قال النووي: تحِيَّة الْمَسْجِد لَا تُتْرَكُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ تُبَاحُ فِى كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَالٍ لَكَانَ هَذَا الْحَالُ أَوْلَى بِهَا، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تُرِكَ لَهَا اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا الْخُطْبَةَ وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ، وَكَانَ هَذَا الْجَالِسُ جَاهِلًا حُكْمَهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (٣)


(١) وانظر صحيح فقه السنة (١/ ٣٨٣)
(٢) أخرجه البخاري (٦٦)
(٣) ذكره النووي فى شرح مسلم (٣/ ٤٣٠)

<<  <   >  >>