للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من يحدث بما سمعه من المختلط بعد اختلاطه، إلا أن بعضهم يلتزم ألا يحدث إلا بما هو من صحيح حديث المختلط لمعرفته به، إذ من المعلوم أن المختلط في حال اختلاطه إذا حدث يكون في حديثه ما هو من صحيح حديثه، وما ليس كذلك، كما قال يعقوب بن سفيان في الجُرَيْري: "هو ثقة، أخذوا عنه، من سمع منه في الصحة، لأنه كان عمل فيه السن فتغير، وكان أهل العلم يسمعون، وسماع هؤلاء الذين بأخرة فيه وفيه" (١).

وقال يحيى بن معين لوكيع: "تحدث عن سعيد بن أبي عَرُوبة وإنما سمعت منه في الاختلاط؟ ! ! فقال: رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مُسْتَوٍ" (٢).

غير أن هذا لم يكن منهجا عاما للرواة عن المختلطين بعد اختلاطهم، فلذا احتاج الأئمة إلى الاشتغال بهؤلاء المختلطين، أولا من جهة درجة اختلاطهم، وثانيا لتحديد من سمع منهم قبل الاختلاط، ومن سمع منهم بعد الاختلاط.

ولا شك أن هذا قد اقتضى من الأئمة جهدا مضاعفا، يدرك المتتبع له بسهولة عناءهم في سبيل ذلك، ودقتهم، ومبلغ علمهم في فنهم.

فأما الأمر الأول -وهو تحديد درجة الاختلاط- فسببه تفاوت المختلطين في درجته، كما قال ابن رجب: "هم متفاوتون في تخليطهم، فمنهم من خلط تخليطا فاحشا، ومنهم من خلط تخليطا


(١) "المعرفة والتاريخ"٢: ١١٥.
(٢) "الكفاية" ص ١٣٦، وانظر: "تهذيب الكمال"١١: ١٠.

<<  <   >  >>