وهذا -بكل أسف- كثر جدًا عند الباحثين الذين يتكلمون في التصحيح والتضعيف، وسببه ظاهر، وهو عدم تشبع الباحث بالمنهج الذي ينطلق منه الناقد الأول، وبعد الباحث عن ممارسة النقد وفق ذلك المنهج، فهو ينقل عن النقاد الأوائل -إذا نقل- بغرض رفضه ومناقشته.
وليس المقصود بهذا أن النقاد الأوائل معصومون من الخطأ، فلا يناقشون، وإنما المقصود أن الباحث المتأخر لا يستوعب كلامهم ويناقشه وفق منهجهم، وإنما يقف موقف المستغرب، لعدم التوافق بينهما في قواعد المنهج.
فهذه السلسلة وأمثالها من أغراضها تكوين باحث ذي عقلية نقدية وفق منهج النقاد الأوائل، يستطيع السير معهم، ويهضم كلماتهم، ويستسيغها، وهذا ما يعبر عنه بعض الأئمة بـ (ذوق أهل الفن)، ويعبر عنه بعضهم بـ (القدرة على مشاركة أهل الفن)، كما قال السخاوي في الفرق بين الصنفين، المقتدر، وغير المقتدر:"وهو (أي التعليل) أمر يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث -كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبد البر- لا ينكر عليهم، بل يشاركهم ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة ... "(١).
ومن المهم جدا هنا أن يدرك الباحث معنى (مشاركة أهل الفن)،