للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكن الواحد منهم رحمهم الله تعالى يأنف أن يقول: لا أدري، أو لا أعرف الراوي، ونحو ذلك من العبارات، فإن غرضه الوصول إلى الحق، ولم يتمكن من ذلك بالصورة التي يرضى عنها، كما قال ابن معين: "لقد رأيت رجلا يسأل يحيى بن سعيد عن أشياء، فجعل يقول: لا أدري، حتى رحمته، وكان يحيى بن سعيد رجل صدق" (١).

وأخيرا ينتبه إلى أن بعض عبارات نفي العلم بحال الراوي ليست على ظاهرها، فقد يراد بها تضعيف الراوي، أو تليينه، فيكون الناقد خَبَر الراوي وحكم عليه، وهذا يرشد إليه سياق النص، وقرائن الحال، مثاله قول أحمد: "عثمان الثقفي ثقة الحديث، سمع منه شعبة، وهو أثبت من عثمان أبي اليقظان، ذاك -يعني أبا اليقظان- حديثه ما أدري ما هو" (٢).

وقال أبو داود: "قلت لأحمد: عبد الواحد بن قيس الذي روى عنه الأوزاعي؟ قال: لا أدري، أخشى أن يكون حديثه منكرا" (٣).

وقال عبد الله بن أحمد: "سمعت أبي يقول: سمعت عبيد الله بن موسى قديما، بعضه في سنة خمس وثمانين، وبعد ذلك قال: رأيت عبيد الله بن موسى بمكة فما عرضت له، لم يكن لي فيه رأي" (٤).

والظاهر أن أحمد يريد أنه غير راغب في السماع منه، وكان أحمد


(١) "سؤالات ابن الجنيد" ص ٣٢٣.
(٢) "سؤالات أبي داود" ص ٣٠٥، وانظر: "العلل ومعرفة الرجال"٢: ٥٣٦، و"أحوال الرجال" ص ٤٩، و"تهذيب التهذيب"٧: ١٤٥.
(٣) "سؤالات أبي داود" ص ٢٥٧، وانظر: "تهذيب التهذيب"٦: ٤٣٩.
(٤) "العلل ومعرفة الرجال"٣: ١٩٧.

<<  <   >  >>