للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيان ذلك أن الراوي حين الطلب والأخذ عن الشيوخ قد يكون يأخذ عن الشيوخ بانتقاء، فلا يأخذ عن بعضهم، وقد يكون من مذهبه أنه يأخذ عن الكل، وكذلك الحال حين التحديث والتصدي للرواية، قد يكون الراوي من مذهبه أن يحدث عن كل من لقيه وأخذ عنه، وقد يكون من مذهبه الانتقاء والاختيار، إما زيادة وإمعانا في الاختيار، فكما انتقى واختار حين السماع والطلب يقوم بعملية فرز وتصفية أخرى حين التحديث، وإما لأنه اهتم حين الطلب بالجمع، وأخّر الانتقاء والاختيار، فكان كما قال ابن معين: "كتبنا عن الكذابين، وسَجَرْنا بها التَّنُّور، وأخرجنا خبزا نضيجا" (١).

وقال ابن حبان يصف حاله في تأليف كتابه في الصحيح: "ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ، من إِسْبِيْجاب إلى الإسكندرية، ولم نرو في كتابنا هذا إلا عن نحو مئة وخمسين شيخا -أقل أو أكثر-، ولعل مُعَوَّلَ كتابنا هذا يكون على نحو من عشرين شيخا، ممن أدرنا السنن عليهم، واقتنعنا بروايتهم عن رواية غيرهم، على الشرائط التي وصفناها" (٢).

وهؤلاء الذين ينتقون من يكتبون عنه، أو يحدثون عنه، إنما يفعلون ذلك ديانة، ولهذا يقولون في بعض الرواة: "لا تحل الرواية عنه"، أو "الرواية عنه حرام"، أو "لا تجوز الرواية عنه"، ونحو هذه العبارات.

قال أبو إسحاق الطَّالْقاني: "سألت ابن المبارك عن حديث لإبراهيم


(١) "المجروحين"١: ٤٢١، و"المدخل في أصول الحديث" ص ٨٦، و"تاريخ بغداد"١٤: ١٨٤.
(٢) "صحيح ابن حبان"١: ١٥٢.

<<  <   >  >>