وإطلاقهم تلك الألفاظ، فالناقد إذا قال: فلان صدوق، أو ليس به بأس، أو محله الصدق، أو صالح الحديث- قد استوفى النظر ولابد، وابن أبي حاتم يبين ما هو الموقف من حديث هؤلاء الذين صدرت في حقهم تلك الألفاظ من قبل النقاد، كما هو الحال بالنسبة لأصحاب المراتب الأخرى، ولا فرق.
وحينئذ ما الفرق بين كتابة حديث الراوي والنظر فيه، وبين كتابة حديثه اعتبارا؟ إن قلنا إنه مجرد اختلاف عبارة، فالجميع لا يحتج بهم إذا انفردوا، وحديثهم جميعا يكتب وينظر فيه للاعتبار والاعتضاد -مع تفاوتهم-، فالأمر لا يحتاج إلى تفريق، ولكن يظهر لي أن ابن أبي حاتم قصد التفريق بينهما، فمن يكتب حديثه وينظر فيه قد يحتج به لوحده بقرائن تحتف بحديثه وروايته المعينة، فيلتحق في ذلك الحديث وتلك الرواية بأدنى أصحاب المرتبة الأولى وهم الثقات، فيصحح حديثه، ويحتج به، وإن كان هو في الجملة دونهم، وأما من يكتب حديثه اعتبارا فلا يحتج به لوحده مطلقا، وإنما قد يعضد حديث غيره، أو يعضده حديث غيره، مع اشتراك الجميع -من يكتب حديثه وينظر فيه، ومن يكتب حديثه اعتبارا- في أن حديثهم ابتداء لا يحكم له بحكم معين، قبل استيفاء النظر في رواية غيرهم.
القضية الثانية: يطلق بعض الأئمة وكثير من الباحثين أوصافا محددة على الأسانيد التي يوجد بها من هو في المراتب الثلاث الأخيرة من مراتب التعديل، والثلاث الأولى من مراتب التجريح عند ابن أبي حاتم، وما يعادلها عند من جاء بعده وتصرف في مراتبه، فإذا وجد في الإسناد من هو من أصحاب المرتبة الثانية أو الثالثة من مراتب التعديل