للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غفلته، مع اتفاق هؤلاء الأئمة مع ابن أبي حاتم في الحكم، وهو أن حديث هؤلاء كلهم متروك، لا يكتب، ولا يعتبر به، ولا يلتفت إليه.

ويبقى هنا قضيتان لابد من التعرض لهما، إحداهما: أن ابن الصلاح شرح قول ابن أبي حاتم في المرتبة الثانية من مراتب التعديل: "إذا قيل إنه صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه"، بقوله: "هذا كما قال، لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط، فينظر في حديثه ويختبر، حتى يعرف ضبطه، وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع، وإن لم نستوف النظر المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا، واحتجنا إلى حديث من حديثه- اعتبرنا ذلك الحديث، ونظرنا هل له أصل من رواية غيره ... " (١).

وكأن ابن الصلاح أراد أن يفرق بين كتابة حديث الراوي والنظر فيه الذي ذكره ابن أبي حاتم في هذه المرتبة، وفي التي تليها أيضا، وبين كتابة حديثه اعتبارا الذي ذكره ابن أبي حاتم في المرتبة الرابعة من مراتب التعديل، وفي المراتب الثلاث الأولى من مراتب الجرح.

وقد نقل كلام ابن الصلاح جماعة ممن جاء بعده، ولم يعترضوه بشيء (٢)، وهو مشكل، إذ مؤداه أن الناقد إذا قال في الراوي: صدوق، أو ليس به بأس، أو محله الصدق، أو صالح الحديث-فهو لم يستوف النظر في حديثه لسبب ما، وترك ذلك لمن جاء بعده، وهذا بعيد جدا من مراد ابن أبي حاتم لمن تأمله، فغرضه ذكر مراتب ألفاظ الجرح والتعديل، وحكم أصحابها، بعد استيفاء النقاد للنظر في الراوي،


(١) "مقدمة ابن الصلاح" ص ٢٣٨.
(٢) "فتح المغيث"٢: ١١٦ - ١١٧.

<<  <   >  >>