للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حديثهم خصماءك عند الله تعالى؟ فقال يحيى: "لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: لم حَدَّثت عني حديثا ترى أنه كذب؟ " (١).

فقد تبين السبب الذي لأجله استجاز الأئمة القدح في الرواة، وأنه من باب درء إحدى المفسدتين بارتكاب أخفهما، فالقدح في الرواة أهون بكثير من اختلاط صحيح السنة بسقيمها، وأن ينسب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إلى غيره من صحابته رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم ما لم يصدر عنه.

ويتفرع عن هذا أنه لا ينبغي إهدار حقوق هؤلاء الرواة في خِضَمِّ تحقيق هذه المصلحة، فإن فيهم الفقهاء، والقضاء، والقراء، والعباد، ومن أهم حقوقهم أن يحسن المتكلم فيهم أو الناقل لكلام غيره النية، وأن لا يفعل ذلك تشفيا لمخالفة في مذهب أو مسألة، وأن يقتصر من الكلام فيهم على ما يحصل به الغرض، وأن يدفع عنهم ما لم يثبت عنهم، أو ما لم يثبت عن المتكلم فيهم، ولا يذكر ما قيل فيهم من جرح، ويسكت عما قيل فيهم من تعديل.

وكل هذه القضايا وما يشبهها سيأتي التعرض لها في مباحث هذا القسم من قريب أو بعيد، وليس هي بالشيء الهين، فالحال كما قال الإمام ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين: حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام" (٢)، وقال ابن الصلاح: "الكلام في الرجال جرحا وتعديلا جُوِّز صونا للشريعة، ونفيًا


(١) "الكفاية" ص ٤٤.
(٢) "الاقتراح"١: ١٤٤.

<<  <   >  >>