للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للخطأ والكذب عنها، وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة.

ثم إن على الآخذ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى، ويتثبت، ويتوقَّى التساهل، كيلا يجرح سليما، ويَسِم بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها، ويلحق المتساهل من تساهله العقاب والمؤاخذة.

وأحسب أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي من مثل ما ذكرناه خاف، فيما رُوِّيناه أو بُلِّغناه أن يوسف بن الحسين الرازي -وهو الصوفي- دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل، فقال له: كم من هؤلاء القوم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ مئة سنة ومئتي سنة، وأنت تذكرهم وتغتابهم؟ فبكى عبد الرحمن.

وبُلِّغنا أيضا أنه حُدث وهو يقرأ كتابه ذلك على الناس عن يحيى بن معين أنه قال: إنا لنطعن على أقوام لعلهم حطوا رحالهم في الجنة منذ أكثر من مئتي سنة، فبكى عبد الرحمن، وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده" (١).

ومما يتصل بهذا الجانب ويغفل عنه بعض الباحثين أن لا يكون هناك حاجة لذكر جرح الشخص من جهة الرواية، فلم يرد عند الباحث في إسناد حديث، وإنما ورد اسمه في أمر يتعلق بعلم آخر من العلوم، كالفقه، أو القراءات، أو اللغة، فيترجم له الباحث معرًا به، ويقحم في ترجمته ما قيل في درجته من جهة الرواية، وقد يكون فيها ضعيفًا أو دون ذلك، فيجني على الشخص، وعلى الموضوع الذي هو بصدد الحديث عنه.


(١) "مقدمة ابن الصلاح" ص ٥٩٠، وانظر: "الكفاية" ص ٣٨.

<<  <   >  >>