للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليعرف بذلك ما يصلح أن يكون قدحا في الراوي، وما يصلح أن يكون مدحا له.

وتطبيق هذه الشروط على الناقد يتولاه النقاد أنفسهم، ولا يقال: هذا دور، فنحن نريد التأكد من وجود هذه الشروط في الناقد، والناقد هو الذي يبين لنا ذلك، لأنا نقول: الدور منقطع بكون الحاكم على الناقد وبيان قيمة أقواله في النقد هم مجموعة النقاد.

ومثال ذلك أربعة من النقاد كانوا في عصر واحد، وهم: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن، وعفان بن مسلم البصري، فالأولان التف حولهما التلاميذ، وسألوهما أسئلة كثيرة جدا، وقيدوا كل حرف قالاه، وسجلوا مواقفهما العملية من الرواة، وتلاميذهما ممن لديهم ملكة نقدية، كأحمد، وابن معين، وابن المديني، وعمرو الفلَّاس، وأبي خَيْثَمة زهير بن حرب، وغيرهم، فكانوا يراجعونهما فيما يرونه يحتاج إلى مراجعة، ويرفضون بعض آرائهما (١)، فاعتبارهما من كبار النقاد إذن نستطيع أن نقول إنه صدر عن مجموعة النقاد.

وأما الآخران فتلامذتهما هم أنفسهم تلامذة الأولين، وليست منزلتهما في النقد كمنزلة الأولين، مع أن الظاهر كثرة كلامهما على الرواة، لكن لم يدون منه إلا القليل، ولم يعتن بكلامهما كما فعل مع يحيى، وعبد الرحمن، والذي أنزلهما هذه المنزلة هم تلامذتهم النقاد أيضا، وقد بين علي بن المديني سبب ذلك، قال الآجُرِّي: "قلت لأبي


(١) تقدم شيء من هذا في المبحث الرابع من الفصل الأول.

<<  <   >  >>