للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من تقدمه في الزمن، كما في قول علي بن المديني: "إذا اجتمع يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن، لأنه أقصدهما، وكان في يحيى تشدد" (١).

وليس معنى ذلك أن المتأخر يوافق المتقدم تقليدا، بل هو يستخدم الوسائل أيضا في نقد الراوي، وربما خالف من سبقه، كما تقدم شرحه (٢)، وإنما المقصود أن المتأخر يضع في اعتباره حين ينظر في الوسائل التي يحكم بها على الراوي قول من سبقه، إن كان قد بلغه، ولهذا فإن من تأخر منهم -كالعقيلي، وابن حبان، وابن عدي- يسوق في ترجمة الراوي أقوال من تقدم من النقاد، ثم يذكر بعض حديث الراوي، ثم يصدر حكمه هو، ويبقى هو ناقدا أصيلا في الرواة الذين لقيهم أو عاصرهم.

* قرب المكان، فقد تعارف المحدثون على أن يعتني المحدث أولا بأهل بلده ومروياتهم، ثم بعد ذلك يرحل إلى البلاد الأخرى، ثم بعد رحلته يعود إلى بلده (٣)، فالحاصل من كل هذا أن الناقد يكون اطلاعه على أحوال أهل بلده أقوى من غيره من الغرباء، وقد أولى النقاد أنفسهم هذا الجانب عنايتهم، فكانوا يسألون الناقد عن شيوخ بلده ومروياتهم، ويعتمدون عليه، مثل مالك في أهل المدينة، كما تقدمت الإشارة إليه في كلام لأحمد (٤).


(١) "تاريخ بغداد"١: ٢٤٣.
(٢) في المبحث الرابع من الفصل الأول.
(٣) انظر: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"٢: ٢٢٣ - ٢٤٨.
(٤) تقدم هذا في المبحث الثاني من الفصل الثاني.

<<  <   >  >>