للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولهم فيها تأويل، ولعل سبب ذلك كله ولعه الشديد بالنقد، فقد أمعن فيه بما لا مزيد عليه، وله كلمات مأثورة في الدافع له إلى ذلك، وأنه يفعله احتسابا، ومع ذلك فقد لقي من الناس عناء (١)، وأما رفيقه أحمد فكان في الجملة أخف منه عبارة، وأرفق بالرواة، فكان كما قال الذهبي: "سأله جماعة من تلامذته عن الرجال، وجوابه بإنصاف واعتدال، وورع في المقال" (٢).

الأمر الثاني: حين يريد أحد النقاد من هؤلاء استخدام وسائله للحكم على راو -وهي الوسائل التي تقدم شرحها في الفصل الأول- قد يتهيأ له من العوامل المساعدة ما يجعل حكمه أقرب إلى الصواب من غيره ممن لم يتهيأ له ذلك العامل المساعد، ومن هذه العوامل:

* قرب الزمن بين الناقد وبين الراوي، ولهذا كان من لقي الشخص وأخذ عنه أعرف به من غيره، وتعليل ذلك ظاهر، فهو أقرب إلى الإحاطة بحديثه، وأقدر على اختبار ضبطه، والنظر في سيرته، وكلما بعد الزمن زادت الوسائط بين الناقد وبين الراوي، فظهر احتمال تحميل الناقد عهدة الخطأ في أحاديث على هذا الراوي، وقد تكون العهدة على غيره، واحتمال نقل أشياء عنه لا تصح.

والناظر في أقوال النقاد يدرك بسهولة اعتماد الواحد منهم على


(١) "العلل ومعرفة الرجال"١: ٣٦٣ - ٣٦٤، و"علل المروذي" ص ٧٤، ١٣٥، و"المعرفة والتاريخ"١: ٧٢٨، ومقدمة "تاريخ الدوري عن ابن معين" لأحمد نور سيف ١: ٦٣ - ٧٧، ومقدمة "نسخة يحيى بن معين برواية الصوفي" لعصام السناني ص ٩٩ - ١١٢.
(٢) "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" ص ١٨٥.

<<  <   >  >>