للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضعفاء مطلقا، وإلا لخرج المتشدد والمتساهل عن دائرة النقد المقبول، كما تقدم قريبا شرح هذا، وإنما المقصود بالتشدد أن الراوي محلٌّ للنقد والتجريح بأمر يسير، لا يخرجه عن دائرة التوثيق، فينزله المتشدد عن ذلك، أو يكون محلا للنقد والتجريح بأمر متوسط، فينزله المتشدد إلى التضعيف، وهكذا يقال في التساهل، يوثق المتساهل من هم عند الأئمة المعتدلين في المراتب المتوسطة، أو يختار في تجريح الضعيف جدا والمتروك عبارات سهلة لينة، كلين الحديث، أو ليس بالقوي، كما تقدم آنفا بين البخاري وأبي حاتم، وبين البزار وأئمة آخرين، وتقدم أيضا في المقارنة بين منهج يحيى بن سعيد القطان، ومنهج عبد الرحمن بن مهدي وغيره، في حدّ الراوي الذي يترك حديثه في المبحث الثاني من الفصل الثاني.

ثم إن الذهبي قد جعل يحيى بن معين من أصحاب الفئة الأولى وهم من عرفوا بالتشدد، وكذا ذكر تشدده في النقد ابن حجر (١)، ولم أتابعهما في ذلك، وذكرته في النقاد المعتدلين، إذ ظهر لي أنه ليس بالمتشدد بالمعنى المراد هنا، فتشدده في العبارة لا في الحكم، بمعنى أنه قد يصدر حكما على راو، ويصدر أحمد حكما عليه بعبارة مختلفة، والمؤدى واحد، ولا شك أن هذا يفعله ابن معين، وقد مضى التمثيل لعباراته القوية التي بالغ فيها (٢).

وعرف عن يحيى أيضا مواجهته للرواة بالنقد، وعدم مداراتهم، وربما تكلم في بعض الأئمة الكبار في أشياء نقلت عنهم لا تصح،


(١) "النكت على كتاب ابن الصلاح" ١: ٤٨٢.
(٢) انظر: ما تقدم في المبحث الأول من الفصل الثاني.

<<  <   >  >>