للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو بكر: وأنا مثل الأعمش" (١)، وقول محمد بن عبيد الطَّنَافِسي: "أكثر ما سمعت من الأعمش في مجلس واحد تسعة أحاديث، أو أحد عشر حديثا، وذلك أنه أتاه عمر الثوري -أخو سفيان- فانبسط إليه، ثم قال: ما هذا السيل؟ " (٢)، وفسر الباحث هذا على أن الأعمش يمدح نفسه بقوة الحفظ.

وما ذهب إليه الباحث ليس هو المراد من النصين، وإنما المراد بيان عُسْر الأعمش في الرواية، فكان لا يحدثهم في المجلس الواحد إلا بحديث أو حديثين، فإذا زاد على ذلك عدَّه سيلا جارفا، وعُسْر الأعمش في الرواية أمر مشهور (٣).

وذكر الباحث أيضا قصة أخرى للأعمش مع أصحابه، فهم منها أن الأعمش يمدح نفسه بقوة الحفظ وتميزه عليهم، فذكر ما رواه عَثَّام بن علي قال: "قيل للأعمش: ألا تموت فنحدث عنك؟ فقال: كم من حُبٍّ أصبهاني قد انكسر على رأسه كِيْزان كثيرة" (٤).

والمعنى الصحيح للنص أن أصحاب الأعمش تمنوا -على سبيل الدعابة-أن يموت الأعمش فيحدثون عنه، لأنه مادام حيا فالطلاب سيقصدونه هو، فإذا مات احتاجوا لتلامذته فرووا عنهم، فداعبهم هو بأن هذا لن يتحقق لهم، وسيعمر هو ويموتون قبله، وضرب لهم المثل الذي ذكره.


(١) "الجامع لأخلاق الراوي"١: ٢٠٧.
(٢) "ثقات العجلي"١: ٤٣٢.
(٣) انظر: "الجامع لأخلاق الراوي"١: ٢٠٧ - ٢٠٨.
(٤) "سير أعلام النبلاء"٦: ٢٣٥.

<<  <   >  >>