وذكر أحد الباحثين -وهو يتكلم عن المرتبة الثانية من مراتب التعديل -ما نصه:"قولهم: فلان يجزئ -أي أنه يكفي بمفرده، وتقوم به الحجة، لاسيما إن قاله أحد المتعنتين، وإن كان يحتمل أعلى من ذلك، فقد قال شعبة: فلان عن فلان مثله لا يجزئ، وسفيان الثوري يجزئ. (النبلاء ٧/ ٢١٧)، وهذا اللفظ بمفرده أقل أحواله المرتبة الثالثة، ويكون بمعنى لا بأس به، ولكن عند الإطلاق فمحله هنا، والله أعلم".
كذا قال الباحث، وقد أبعد جدا عن فهم المراد من النص، فالنص لا علاقة له بالجرح والتعديل، والباحث تصرف فيه ليوافق ما فهمه منه، فهو هكذا في "النبلاء": "قال وكيع: قال شعبة: فلان عن فلان مثله لا يجزئ، وقال سفيان الثوري: يجزئ".
ومعنى النص أن شعبة يرى أن الراوي إذا روى حديثا بإسناده، ثم رواه بإسناد آخر لا يجزئ أن يقول في المتن: مثله، أي مثل الحديث السابق، بل عليه أن يسوق المتن للإسناد الثاني أيضا، وأما سفيان الثوري فيرى أنه يجزئه أن يقول: مثله (١).
وعكس ما تقدم، أن يكون النص دالا على جرح أو تعديل ثم يخرجه من ينظر فيه عن دلالته إلى معنى آخر، مثال ذلك أن أحد
(١) وكذا غلط من فهم من النص أن شعبة لا يجزئ عنده الإسناد المعنعن، بل لابد من التصريح بالتحديث، وسفيان تجزئ عنده العنعنة، والصواب في معنى النص ما ذكرته أعلاه، وقد جاء عنهما بألفاظ مختلفة توضح المراد، انظر: "العلل ومعرفة الرجال"٢: ٤٥٥، ٤: ١٦٩، و"المحدث الفاصل" ص ٥٩٠، و"الكفاية" ص ٢١٢ - ٢١٣، و"التمهيد"١: ١٢ - ١٣، و"شرح علل الترمذي"٢: ٥٨٧، و"موقف الإمامين البخاري ومسلم من الإسناد المعنعن" ص ٧٧.