المسألة الثانية: الضوابط السابقة هي في النظر في أقوال النقاد في عصر النقد -عصر الرواية-، وعليه فلا يدخل في هؤلاء النقاد المتأخرون، كالمِزِّي، والذهبي، وابن رجب، وابن حجر، وغيرهم، فهؤلاء ليسوا نقادا بالمعنى المراد للكلمة، أي أن استخدامهم لوسائل نقد الرواة الماضية في الفصل الأول محدود جدا، وإنما نظرهم في أقوال النقاد في تلك الفترة، فإذا قال الذهبي -مثلا- عن راو ما إنه ثقة، أو صدوق، ونحو ذلك، فإنما يريد أنه ثقة حسب اجتهاده في نصوص النقاد، وتطبيق الضوابط السابقة عليها.
فالباحث وهو ينظر في نصوص النقاد وفق الضوابط السابقة يستعين باجتهاد الأئمة المتأخرين، وقد يجد تفاوتا بين ما توصل إليه كل منهم، بل قد يجد تفاوتا بين أقوال الواحد منهم، وإن كان هذا في الغالب اختلاف عبارة أكثر من كونه اختلافا حقيقيا في نتيجة الاجتهاد، وعلى الباحث أن يلقي باله لتطبيقات هؤلاء الأئمة لتلك الضوابط، ليتدرب عليها، فكثيرا ما ينصون على الدليل الذي اعتمدوه في الجمع بين الروايات، أو في رد بعضها، أوفي الترجيح بينها، وهذه هي الضوابط.
ولهذا السبب يذهب كثير من الباحثين والمشرفين على إعداد الرسائل العلمية إلى أنه لا بأس أن يعتمد الباحث على حكم إمام متأخر، كالذهبي، وابن حجر، ويستندون في ذلك إلى أن الباحث سيقوم لو أراد أن يصل إلى حكم في الراوي بتطبيق ضوابط هؤلاء الأئمة، وحينئذٍ فإمامتهم ترجح أن يكون قولهم هو الصواب.